الخميس, يناير 30

قلبٌ لا يعرف الكراهية: عندما صنع مجدي يعقوب الحياة من رماد الموت بقلم . نادي عاطف

في عالمٍ تمزقه الكراهية وتلتهمه النيران المشتعلة بالحقد، يبقى هناك من يجدد إيماننا بالإنسانية. قصة الطبيب الجراح العالمي مجدي يعقوب ليست مجرد واقعة طبية؛ إنها رواية إنسانية تُحكى على مر الزمان، تُشعل نور الأمل في قلوب أطفأها الظلام.

كانت القضية تبدو مستحيلة، إرهابيٌ قتل بدم بارد، محكومٌ بالإعدام، وروحه محاصرة بين القضبان. قلبه، مثل أفعاله، مُثقل بالكراهية والذنوب، ينذر بالموت القريب. لم يكن أحدٌ يتوقع أن يأتي خلاصه من يدٍ كان يمكن أن تكن له الكراهية ذاتها؛ يد الطبيب القبطي الذي ارتبط اسمه بالشفاء والرحمة.

“أنا رجل علم.. أداوي لا أحاكم”

عندما عُرضت حالة المريض على السير مجدي يعقوب، وعُرِفت تفاصيله له، كان بإمكانه أن يرفض، أن يغلق باب الرحمة، أن يحكم عليه بالموت غير المباشر. لكنه، بروح لا تعرف سوى النقاء، أجاب بصوت ملؤه الإيمان بالإنسانية:

“أنا رجل علم.. أعالج الناس جميعًا. لا أحاسبهم على ما فعلوا أو ما سيفعلون. الطب رسالة لا تحكم على أحد.”

هكذا، ارتفع يعقوب فوق الكراهية، فوق الانتقام، ليُعطي الحياة لمن سلبها من آخرين. ولم يكن ذلك فحسب، بل أصرّ أن يتحمل تكاليف العلاج كاملة من ماله الخاص، وكأنما يُرسي مبدأ أن الرحمة لا تُباع ولا تُشترى، بل تُمنح نقية خالصة.

العملية التي غيّرت القلوب

في غرفة العمليات، وقف يعقوب أمام قلبٍ أُغلق تمامًا عن معاني الرحمة، لكنه كان مصرًّا على إعادة النبض إليه. المريض، وهو على وشك الاستسلام للمخدر، همس خوفًا: “سيقتلني الطبيب.. لن أفيق من البنج.” لم يُجبه يعقوب، لكنه ابتسم في هدوء كمن يُخاطب الروح لا الجسد: “الحياة بيد الله.. وأنا أداوي لتبقى.”

وبعد ساعات من الجهد والصبر، خرج الجراح بابتسامته المعتادة ليُخبر الجميع: “القلب ينبض مجددًا.” لم تكن الجراحة مجرد إنقاذ لحياة رجل، بل كانت معجزة، أعادت الحياة لمعنى التسامح ذاته.

عندما صنع التسامح حياة جديدة

لم تكن النهاية عند إنقاذ القلب المريض، بل بدأت الحكاية الحقيقية بعد ذلك. الإرهابي الذي كان يحمل قلبًا مظلمًا عاد للحياة بروح مختلفة. في زنزانته، صار يروي قصته لكل من حوله: “من كنت أقتل  الاقباط قرنائه ، كان أحدهم سببًا في حياتي. كنت أظن أنني سأموت على يديه، لكنه أعادني للحياة.”

تحولت حياته إلى رسالة شكر ضمنية، ليس فقط ليعقوب، بل للدروس العظيمة التي تعلمها من التسامح. انتهت مدة سجنه، لكنه خرج إنسانًا جديدًا، يحمل في قلبه نبضات علّمته أن الحياة تستحق التغيير.

مجدي يعقوب.. أسطورة الرحمة الصامتة

ومع ذلك، لم يُخبر يعقوب أحدًا بتلك القصة. لم يتحدث عنها في محفل أو لقاء، لم يجعلها مصدرًا للفخر أو أداة إعلامية. بقي صامتًا كعادته، كأنه يُعلّمنا درسًا آخر: الرحمة الحقيقية لا تُباع في كلمات، بل تُزرع في أفعال.

القلب الذي لا يعرف الحقد

هذه القصة ليست مجرد حكاية رجل أنقذ حياة آخر، لكنها شهادة حية أن القلوب النقية يمكنها أن تصنع التغيير حتى في أكثر الأماكن ظلامًا. إنها دعوة لكل منا: أن نتجاوز حدود الحقد والانتقام، أن نمنح الحياة فرصة جديدة.

ربما كان مجدي يعقوب جراحًا، لكنه أيضًا معلمٌ للإنسانية، يداوي الأرواح كما يداوي القلوب. ويبقى السؤال: كم منا يمكنه أن يكون “يعقوبًا” في حياته، ويُعيد النبض لحياة أخرى توقفت عن الإيمان بالتغيير؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *