عقدت رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى المؤلفة الموسيقية الدكتورة هبة القواس مؤتمراً صحافياً أمس الثلاثاء في القاعة الكبرى للمعهد – سن الفيل بحضور ممثلي وسائل الإعلام وأعضاء من مجلس الإدارة والهيئتين الإدارية والتعليمية في المعهد.
بعد النشيد الوطني اللبناني استهلت القواس المؤتمر بالترحيب بوسائل الإعلام وشكرهم على تلبية الدعوة والتعاون الدائم الذي سيثمر مستقبلاً العديد من المشاريع واللقاءات مع الإعلام لتطوير الاستراتيجيات الثقافية المتبعة لصالح الصرح الوطني الموسيقي ولخير الثقافة في لبنان.
وفي مقدمتها، تحدثت القواس عن المعهد الموسيقي كصرح وطني حضاري، في أقسامه التربوية والتعليمية والثقافية والموسيقية والخدماتية والإدارية، التي عملت على توسعتها وتطويرها تقنياً وإدارياً لتشمل افتتاح أقسام جديدة.
واستعرضت القواس ما أنجزته وما واجهته من صعوبات في الأشهر القليلة منذ تسلمها مهامها رسمياً، بانطلاقة منتجة أثمرت العديد من الإنجازات قياساً بهذا الوقت القصير. واعتبرت القواس تسلمها رئاسة المعهد مهمة وطنية جعلتها تتخلى عن أعمالها ومنجزاتها الخاصة، واضعةً كل إمكانياتها في سبيل إنجاحها. وذلك انطلاقاً من رؤيتها لهذه المهمة التي تعدها معركتها الخاصة لتثبيت الهوية الحضارية الثقافية اللبنانية، في مواجهة الخطر الكبير الذي يتربص بها، ويهدد كل لبناني في كيانه الثقافي الوطني. ما دفعها لخوض هذه المعركة الوجودية، عبرتحصين الصرح الوطني الموسيقي وتدعيمه لأنه يمثل هذه الهوية ويجسد البصمة الحضارية اللبنانية. وقالت:”هذه المؤسسة الحكومية، ربما هي آخر المؤسسات الحكومية التي باستطاعتها الحفاظ على هذه الهوية وتثبيتها لتعكس صورتنا الحقيقية للعالم أجمع، وهي سفير لبنان الحقيقي في العالم. كما أن هذه المؤسسة قادرة أن تعيد بناء الجسور المقطوعة مع العالم، وتفتح البوابات المغلقة وتردم الهوة العميقة، من دون أن يعترضها أي حاجز ولا لغة أو دين أو جنسيات، لأنها مجردة غير مادية، وفي تجريدها اللانهائي تسافر أينما شاءت. وهنا تكمن أهمية الدبلوماسية الثقافية والموسيقية التي نحن في لبنان بأمس الحاجة إليها عبر الجسور التي بإمكانها أن تمدّها عبر العالم، لإعادة وصل ما انقطع واستعادة التواصل الإيجابي المثمر مع الخارج عبر الدبلوماسية الثقافية”. وأضافت:”بل أكثر من ذلك، هذه المؤسسة هي ركن الاقتصاد الثقافي ونموذج الاستثمار في الثقافة الفكر، وهو معركة لبنان الأخرى، لبنان الذي صدّر الفكر والثقافة إلى العالم، والدليل على ذلك وجود 20 مليون لبناني في الخارج أثبتوا تفوقهم وجدارتهم في تبوّأهم أعلى المراكز والمناصب في جميع المجالات. نحن اليوم في زمن اقتصاد الفكر وزمن الذكاء الاصطناعي والخلق والإبداع الذي لا بديل له، وهذه ميزة اللبناني. واليوم حان الوقت لتثبيت اقتصاد المعرفة واقتصاد الفكر، والموسيقى هي من أركان الاقتصاد وركيزة اقتصادية للنهوض بالبلد”.
“وكل ذلك، أضافت القواس، يمثله ويجسده الكونسرفتوار الوطني، عبر الهيئات التعليمية والإدارية والأوركسترالية التي أشهد أنهم جندوا أنفسهم للمساهمة في إنجازات كبيرة قمنا في وقت قياسي، وذلك في مواظبتهم على الدوام والحضور بشكل دائم ومن دون تذمر”.
وركزت رئيسة الكونسرفتوار على أهمية وندرة الموسيقيين، في ظل أزمة فقدان أصحاب الخبرات والمواهب، وعلى الحاجة الماسة لبقاء الموسيقيين في لبنان واستقدام من غادر في ظل الأزمة الراهنة، وذلك عبر إعادة تأسيس مؤسسة جذورها قوية وثابتة وقادرة أن تحمي المنتسبين إليها والأجيال القادمة، وأن تجذب في الآن نفسه من غادر قسراً من ذوي الشهادات العليا الذين يدرّسون في أهم المعاهد في العالم ويعزفون على أعرق المسارح”.
واستعرضت القواس أبرز الإنجازات التي حققتها منذ لحظة استلامها حتى اليوم، ومنها الحفلات الموسيقية الكبيرة إلى اتفاقيات التعاون في المجالات الاستشفائية والإعلامية والموسيقية والثقافية، وصولاً إلى اتفاقيات التعاون العربية والدولية عبر سفراء عرب وأجانب، بدأ المعهد الوطني يقطف ثمارها.
واستذكرت بعض الاحتفالات الكبرى، منها الحفلة الضخمة التي أقيمت في قصر الأونيسكو بمناسبة عيد الاستقلال وهي كانت الحفلة الوحيدة الرسمية للمناسبة برعاية وزير الثقافة. وختام الحفلات للعام 2022 مع الاحتفال الميلادي المبهر في كنيسة مار يوسف الذي أكد صمود لبنان الثقافي وإشعاعه الفكري عبر الصرح الوطني. ومن أبرز الأنشطة الموسيقية الاحتفال الذي أقيم في باحة مستشفى بعبدا الحكومي، الذي كُرّست عائداته لتغطية استشفاء جميع العاملين في المعهد بعد اتفاقية تعاون مع المستشفى، في سابقة على هذا المستوى.
وعددت القواس بعض المنجزات التي تحققت، ومنها على الصعيد المحلي مع مؤسسات خاصة ورسمية، كالاتفاق مع مستشفى بعبدا الحكومي لتغطية تكاليف استشفاء جميع العاملين في الكونسرفتوار، وأعلنت عن اتفاقيات جديدة مع مستشفيات أخرى لتقديم الخدمات الاستشفائية نفسها، واتفاقيات مع صروح تربوية كبيرة ومؤسسات أخرى داعمة ومتعاونة. وأشارت القواس إلى الدعم الذي تحظى به من مجلس إدارة الكونسرفتوار والإداريين وجميع المتعاونين من داخل المعهد كعائلة واحدة.
ونوهت بدور رئيس مجلس الوزراء ووزير الثقافة قائلة: “هما الداعمان والمتابعان لجميع الأعمال منذ بداية تسلمي مهامي في المعهد. مع كل التقدير لإيمانهما بهذه المؤسسة الموسيقية الوطنية ومردودها الحضاري والدبلوماسي الكبير، ما يجعل أي دعم مالي لهذه المؤسسة من قبل الدولة زهيداً مقابل مردودها الذي يثبت صورة لبنان الحقيقة ويفتح سبلاً وآفاقاً واسعة. بالإضافة إلى الدعم الحضاري الذي حظينا به من قبل وزير المال الذي آمن بمنجزاتنا وبأهمية الدور الذي يؤديه المعهد والثقافة والموسيقى”.
وفي سياق المنجزات التي تحققت، شرحت القواس هذا المسار منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه مباشرة العمل فيه في 7 حزيران 2022، حيث عملت بشكل حثيث على مشاريع مراسيم التي سلمتها في 3 تموز وتابعتها إلى أن صدرت في5/12/2022. هذه المراسيم التي رفعت أجور الموسيقيين والأساتذة والأوركسترات، بعد صدور قرار حضاري مشترك بين وزير المالية ووزير الثقافة، بناء على موافقة مجلس الوزراء الذي كرس الراتب الجديد كحق مكتسب لجميع الأساتذة والعاملين ابتداء من 1/1/2023.
وفي هذا الإطار، تمكنت من الاستحصال على حقوق العاملين في المعهد المتوقفة منذ العام 2021، وبعد الموافقة على جميع المراسيم وقّع وزير المالية الداعم للمعهد على جميع مستحقات 2022. كما استحصلت على موافقة لاعطاء النقل المؤقت بعد معركة خاضتها القواس لتثبيت حق المتعاقد في الكونسرفتوار أن يحصل عليه. فوافق وزير المالية بناء على لجنة هيئة الاستشارات والعدل على أن يحصل العاملين في المعهد على النقل المؤقت. وأعلنت القواس عن بشرى سارة لكافة العاملين والأكاديميين في المعهد، وهي عبارة عن مساعدات مالية من الخارج ابتداءً بجهة عربية وصولاً إلى جهات دولية، وهذه المساعدات ستكون بشكل دوري.
أما عن المرحلة الجديدة المقبلة للمعهد الوطني، فتحدثت رئيسة المعهد عن التحضير لهذه المرحلة المهمة، بدءاً بالانتقال إلى المبنى الجديد للكونسرفتوار الذي قدمته كهبة الدولة الصينية “والذي سيكون علامة فارقة في المنطقة وأيقونة ثقافية موسيقية لا مثيل لها على مستوى الشرق الأوسط، كمركز إداري رئيسي، وأول مركز تخصصي موسيقي في المنطقة. بالإضافة إلى تميزه من ناحية المسارح الفيلهارمونية والقاعات الموسيقية التي تتمتع بمواصفات تقنية من أعلى المستويات في العالم”.
“وفي مقابل كل هذه الإنجازات، أردفت القواس، ولكي نحافظ على المؤسسة واستمراريتها، ثمة واجبات وقوانين يجب احترامها والالتزام بها لنصل إلى مؤسسة قوية وثابتة وذات اساسات صلبة. لذلك، انا مع إنهاء الفساد في لبنان بكل أشكاله، وهذه هي معركتي الكبرى منذ لحظة ترؤسي هذا المعهد. ممنوع اي نوع من الفساد وأي أمر مخالف للقانون. معركتي هي سيادة القانون لأن القانون هو من سيحمي هذه المؤسسة وكل المنتسبين إليها”.
وأشارت رئيسة المعهد إلى طريقة التعاطي مع المؤسسات الحكومية من ناحية الاستخفاف بسيادة القانون فيها واستباحتها بالمخالفات، وشددت على منع سريان هذه النظرية في الكونسرفتوار، وهو المؤسسة التي لم تتوقف عن أداء واجبها حتى في فترة جائحة كورونا، حين بقيت الدروس تعطى عن بعد، وواظب كثير من الأساتذة على الحضور والتعليم في أسوأ الظروف. وقالت: “لكي أكون عادلة مع هذا الصرح الذي خرّج كل الموسيقيين في لبنان، يجب المساواة بين الجميع، وواجب الجميع أن يعملوا بتساوٍ وعدل وأن يحترموا الدوام والأصول، وإلا سوف أضطر للتقيّد بالإجراءات القانونية للحفاظ على حقوق المؤسسة والأساتذة الملتزمين والطلاب والجيل القادم، وهذا ما لا أقبله على نفسي ولا على المؤسسة. لذلك، كل من لا ينفذ ساعات العمل الخاصة به ولا يداوم في وظيفته، سيُحسم أجره بحسب القانون، فلا أجر من دون عمل ولا عمل من دون أجر. قاعدة بسيطة نستطيع تطبيقها في المؤسسات الحكومية كما تطبق في المؤسسات الخاصة، فننتهي من الاستقواء على المؤسسات الحكومية و”التشاطر” عليها. لن أدافع عمن يتحجج بالوضع الراهن ويتهرب من مسؤولياته في المعهد ليقوم بأعمال خاصة يجني منها على حساب واجباته في المعهد. ولن أتساهل مع من يقوم بمؤامرات تصب في هدم المؤسسة والمؤسسات الحكومية عامة، وهذا ما نسمعه مؤخراً من جهات عديدة. وإن كانت ثمة مطالب محقة، فكل ما أقوم به يشهد على أنني أنا من يسعى لتحقيق هذه المطالب بنفسي عند الوزراء والمختصين لتسريع المهمة، إذاً ما الدافع خلف هذه التحركات المشبوهة”؟ وتحدثت القواس عن “مضلِّلين ومستفيدين” لديهم مصالح صغيرة وعقود في مؤسسات أخرى، وشددت أن هذا لا يمنعهم من القيام بواجباتهم في المؤسسة. وتابعت: “لن أسمح بهذه التجاوزات، ومستعدة أن أقدم استقالتي قبل أن أوقّع على أي ورقة فيها رائحة فساد. هذه فرصة لكل من يريد الالتزام ويتطور على المستوى الأكاديمي والمعيشي وذلك بعد المنجزات الأكاديمية والمالية التي توصلنا إلى تحقيقها. ولا سيما أننا اليوم في مرحلة تطويرية لناحية المناهج، على مستوى الموسيقى الشرقية والعربية وعلى مستوى الموسيقى الغربية، وتطوير أساليب التعليم واستقدام مختصين من الخارج”.
وتحدثت القواس عن ذبذبات مغرضة طالتها وطالت المؤسسة مؤخراً، تتخذ من المطالب المحقة مطيّة لتحولها إلى تضليل. “في الوقت الذي نعمل فيه على إنجازات كبيرة تصب كلها في مصلحة الأساتذة والعاملين، ومنها اتفاقيات تحصل للمرة الأولى في لبنان”. وختمت القواس بإعلانها عن اتخاذ إجراءات قانونية، بناء على طلب مجلس الإدارة، بعدما تروّت كثيراً في اتخاذ هذه القرارات. وقالت:”لن أقبل بما يجري، حرصاً مني على المعهد، ومنعاً لاستفحال الفساد ومخالفة القوانين والهجوم على المؤسسة والبلبلة والتحريض على الفوضى”.
وفي ختام المؤتمر توجه الصحافيون والحضور من الموسيقيين والأساتذة بأسئلة ومداخلات إلى رئيسة المعهد. فكانت مداخلة للمايسترو مارون الراعي جاء فيها: “ما تخطط له د. هبة القواس لناحية اعتماد الاقتصاد الإبداعي في الكونسرفتوار، يضعه في الدرجة الأولى بين المؤسسات الثقافية في الشرق. هبة القواس هي النور الذي سيضيء يوماً على المؤيدين والمعارضين معاً، أما هذا “الديك” الذي “طوشنا” بصيحاته، فلا يعتقد أنه هو من يجعل الصباح يشرق”. وكانت مداخلات للأستاذين نبيل مروة وسعد صعب عن دور المعهد وطنياً وتربوياً ومسارهما الطويل في خدمة المؤسسة.