( دخلتْ الطائرة الآن الأجواء المصرية، دقائق وستبدأ الطائره بالهبوط التدريجي)
عبارةٌ عشقتُ سماعها منذ بدأت السفر إلى القاهره برفقة والديّ رحمهما الله في أوائل الثمانينات، هذه العبارة تُحرك داخلي خليطًا من المشاعر والأحاسيس.
القاهرة بالنسبة لي أرشيفٌ من الذكريات الجميلة، تبدأ من لحظةِ دخول المطار وقراءةِ ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) ليوم مغادرتي.
كنت أقضي يومي متسكعًا في شوارع المدينة، تحديدًا وسط البلد، والتي مازلت أحفظ أسماء أزقتها ومحلاتها ومطاعمها بالرغم من مرور ما يقارب الأربعين عام.
تلك المحلات والمطاعم تتوارثها العائلات وتنتقل الملكية من الجد الى الأحفاد من بعده…. يبدو ذلك جليًا في منطقة خان الخليلي التي تجد في كل زواياها رائحة الناس القدامى.
يربطني بوسط القاهره حبٌ من نوعٍ آخر…. يختلف عن بقية المناطق خصوصًا الحديثة منها….. أحب التجول في الزمالك والمهندسين ويسعدني تناول القهوة في حديقة ماريوت القاهره، حيث البناء التاريخي القديم الذي تلوح في حجارته خيالات الزمن الماضي.
القاهرة جميلة في عين كل من يحب الذكريات والتاريخ.
في زمننا الحاضر يصل الناس للكتاب عبر الانترنت والنسخ الرقمية، لكنهم يفقدون نكهة قراءة كتابٍ تشتريه من على الرصيف الممتد أمام مكتبة مدبولي ، والأجمل أن تقرر احتساء كوبٍ من الشاى وقت العصاري في جروبي. جروبي هو مقهى قديم منذ زمن … وهو مشهورٌ في القاهرة، ويتقاسمُ معي أبناء جيلي معرفته وذكرياته.
يأخذني عقلي للفرح الخاص الذي تمنحني إياه متعة الطعام في أم الدنيا، فالأطباق المصرية الشعبية هي جزء مهمٌ من رحلتي هناك…. فهي لن تكتمل بدون طبق الكشري ….. ولا يُعوض أي شيء في هذه الدنيا طعم الحمام المطبوخ بالطريقة المصرية المميزة،،،.
دعوني أتحدث الآن عن أبهى مافي القاهرة …. تعويذة السحر التي تعيدني إليها كل مرة أكثر حبًا وأشدُ شوقًا …. ابتسامة أهلها واستقبالهم للضيوف بعبارة حصرية (( نورت الدنيا )) ، سبحان من وهبهم هذه الطيبة في القلوب وسبحان من وضع في نفوسهم الرضا بقضاء الله وقدره، فلا تسمع منهم إلا عبارةً واحدة
(( الحمد لله واللى يرضى بقليله يعيش ))
حين أتجول في القاهرة يمر في خاطري ،، وأتذكر فيلم من أجمل الأفلام المصرية، فيلم عسل اسود للجميل أحمد حلمي عندما قصد الغربة ولكن بمجرد اقلاع طائرته، تأكد بأنه لايستطيع العيش بعيدًا عنها وبدون كل تفاصيلها بالرغم من كل الصعاب التى واجهها وكانت جليةً في مشاهد الفيلم، ما كان منه إلا أنه ادّعى المرض، فعادت الطائرة لتحط في مطار القاهرة …. ويُختتم الفيلم بأجمل مقطع لأغنية يذكرها الجميع وأذكرها أنا
( فيها حاجه حلوه )
فعلًا لو سألت كائِنًا من كان وهو عائدٌ من القاهره ماذا أعجبك فيها؟
سيجيبك: مش عارف. أهلها …. نيلها.. روح المرح فيها، مش عارف كلها على بعض حلوه.