تقف الكويت أمام منعطف حاسم في مسيرتها الاقتصادية، إذ تواجه تحديات جوهرية في الاستدامة المالية وكفاءة الإنفاق الاجتماعي. تقرير جديد صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، بعنوان “الإنفاق الاجتماعي، كفاءة الإنفاق والاستدامة المالية: استراتيجيات لإعادة التوازن لميزانية الكويت“، يقدم تحليلًا دقيقًا لأوجه القصور الحالية ويقترح خطوات إصلاحية لتعزيز كفاءة الاقتصاد الكويتي.
ويوضح التقرير أن الإنفاق العام للدولة يشكل ما يعادل 50% من ناتجها المحلي الإجمالي، وهو معدل أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 37%. ومع ذلك، تفتقر إدارة هذا الإنفاق إلى الكفاءة، حيث تسجل الكويت 0.54 على مؤشر الكفاءة مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ 0.74. ويشير التقرير إلى أن تحسين الكفاءة لتصل إلى هذا المتوسط قد يحقق وفرًا ماليًا يقدر بـ 6.8 مليار دينار كويتي، أي نحو 27% من الإنفاق العام للدولة لعام 2023/2024.
التعليم والصحة تحت المجهر
في ما يتعلق بالإنفاق الاجتماعي، الذي يستهلك 44% من إجمالي الميزانية العامة، سجل التقرير تراجعًا في نصيب الفرد من هذا الإنفاق بنسبة 12% منذ عام 2018/2019. كما يشير إلى أن قطاع التعليم، الذي يستحوذ على 12% من الميزانية العامة، لا يزال متأخرًا عن المعايير الدولية، رغم الإنفاق الكبير الذي تم تخصيصه على مدار السنوات. وفي القطاع الصحي، لم يسهم مستوى الإنفاق العام المرتفع في معالجة التحديات الصحية، حيث يعاني نحو ربع السكان في الكويت من مرض السكري، ما يشير إلى الحاجة الملحة لتحسين فعالية هذه النفقات.
اختلال توزيع التحويلات الحكومية
ويسلط التقرير الضوء على مشكلات في عدالة توزيع التحويلات الحكومية للأفراد، حيث تستفيد الأسر الأكثر ثراءً بنسبة 22% من إجمالي التحويلات بسبب غياب آليات استهداف فعالة. ويوصي بإعادة ترشيد التحويلات نحو الأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض، والذي سيؤدي بدوره إلى توفير موارد مالية كبيرة لإعادة توجيهها نحو القطاعات التنموية الأكثر حاجة.
خارطة طريق للإصلاحات
ودعا التقرير إلى تنفيذ إصلاحات مالية شاملة لتعزيز الاقتصاد الكويتي، وفي مقدمتها يأتي تنويع الاقتصاد من خلال تعزيز القطاعات غير النفطية ودعم القطاع الخاص. كما شدد على ضرورة تحسين آليات جمع الإيرادات غير النفطية وتبني موازنات تعتمد على الأداء ومنصات رقمية لتحسين الشفافية وتعزيز الكفاءة.
تحسين الخدمات العامة
وأكد التقرير أيضًا على أهمية تطوير الخدمات العامة، مشددًا على الاستثمار في الرعاية الصحية الوقائية وتحديث البنية التحتية الطبية، كما أوصى بتحسين التعليم من خلال تدريب المعلمين وتطوير المناهج الدراسية، إلى جانب توسيع المبادرات البحثية لدعم الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الطويلة المدى.
وفي هذا السياق، قال مُعدّ التقرير نيرنجان سارانجي: “الكويت بحاجة إلى التحرك الفوري. تنفيذ إصلاحات مالية مستهدفة ليس خيارًا بل ضرورة لحماية الاقتصاد وضمان رفاهية المواطنين”.
أهداف التنمية المستدامة في صلب الإصلاحات
كما أشار التقرير إلى أن مواءمة الاستراتيجية المالية للكويت مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة أمر بالغ الأهمية لتحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد. وقد يؤدي تنفيذ هذه الإصلاحات إلى تحسين تصنيف الكويت في المؤشرات العالمية، مثل مؤشر التنمية البشرية ومؤشر أهداف التنمية المستدامة، ما يضعها في مكانة أفضل لتحقيق تطلعاتها الاقتصادية والتنموية.