أكد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع أن “محور الممانعة يزجّ بلبنان في حربٍ عبثيّةٍ لا أفق لها. وهي حربٌ يرفضها اللبنانيون وفرضتْ عليهمْ فرْضاً، ولا تمتّ إلى قضاياهمْ ومصالحهم بصلة ولا تخدم إلا مشاريع ومخططاتٍ خارجيّة”، مشيراً إلى أن “هذه الحرب التي انخرط فيها حزب الله يجب أن تتوقّف قبل أنْ تتحوّل إلى حربٍ كبيرٍة لا تبقي ولا تذر”. وسأل: “كيف يسمح حزب الله لنفسه بأخذ اللبنانيين إلى حيث لا يريدون وإلى حيث يريد هو فقط وبما يخدم مشروعه وارتباطاته. منْ أجاز لحزب الله واعطاه التفويض لأنْ يصادر قرار اللبنانيين وحريّتهمْ ويحتكر قرار الحرب والسلم، وكأنّ لا دولة ولا حكومة ولا سلطة ولا مؤسساتٍ ولا شركاء له في البلد، ولا شعب حتى”.
وأعلن أنه “إذا كان البعض يريد تعديل الدستور فلا مانع لدينا. فلننتخبْ رئيساً للجمهورية أولاً، وتبعاً للدستور، وبعدها نحن جاهزون، لا بلْ ندعو، الى طاولة حوارٍ وطنيّةٍ فعليّةٍ في قصر بعبدا حيث نطرح كلّ شؤوننا وشجوننا الوطنيّة، يتركّز النّقاش فيها على عنوانٍ أوحد: أيّ لبنان نريد؟ ونتّفق على أنّنا لنْ نخرج منْ هذا الحوار كما خرجنا من كل الحوارات السابقة، فيما البلد يواصل انهياره، ومؤسساته تتآكل، وشعبه يموت ويهاجر”، مشدداً على أنه “حان الوقت لأنْ نحسم النقاش حول الأمور الخلافية الأساسيّة التي تمنع قيام دولةٍ فعليّةٍ وتبْقي لبنان ساحة فوضى وفسادٍ وعدم استقرار”.
كلام جعجع جاء خلال القداس السنوي الذي نظمه حزب القوات لراحة أنفس شهداء المقاومة اللبنانيّة، في معراب تحت عنوان “الغد لنا”، ورعاه غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ممثلاً براعي أبرشية جونيه المارونية المطران أنطوان نبيل العنداري.
وحضر القداس الذي ترأسه ممثل البطريرك الراعي، بطريرك الأرمن الكاثوليك ممثلاً بالمطران كريكور باديشاه، بطريرك الأرمن الأرثوذكس ممثلاً بالارشمندريت استيفانوس باشايا، بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك ممثلاً بالأب فادي نعمان، بطريرك السريان الكاثوليك ممثلاً الأب دافيد ملكي، كما مثل المونسنيور رافاييل طرابلسي راعي الكنيسة الكلدانية في لبنان، المطران غي بولس نجيم، مطران جبل لبنان للسريان الأرثوذكس ميخائيل شمعون.
وشارك ايضاً النائب العام للرهبانية المريمية المارونية الأباتي بيار نجم والمدبر الأب طوني فخري من الرهبانية اللبنانية المارونية والمدبر جان مارون الهاشم من الرهبانية المريمية بالإضافة الى عدد من ممثلي المطارنة وحشد كبير من الكهنة من مختلف المناطق والرهبانيات.
وعاون المطران عينداري على المذبح الآباء أيوب شهوان، بطرس بو ناصيف، إدمون خشاب، وربيع الشويري.مطران جبل لبنان للسريان الأرثوذكس ميخائيل شمعون، المطران غي بولس نجيم، ممثل المطران كريكور باديشاه بطريرك الأرمن الكاثوليك والارشمندريت استيفانوس باشايان بطريرك الأرمن الأرثوذكس، ومثل الأب فادي نعمان بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك، ومثل الأب دافيد ملكي بطريرك السريان الكاثوليك، ومثل المونسنيور رافاييل طرابلسي راعي الكنيسة الكلدانية في لبنان.
وشارك أيضاً الأباتي بيار نجم النائب العام للرهبانية المريمية المارونية والمدبر الأب طوني فخري من الرهبانية اللبنانية المارونية والمدبر جان مارون الهاشم من الرهبانية المريمية وعدد من ممثلي المطارنة وحشد كبير من الكهنة من مختلف المناطق والرهبانيات.
وعاون المطران عينداري في القداس الآباء أيوب شهوان، بطرس بو ناصيف، إدمون خشاب، وربيع الشويري.
وحضر الى جانب رئيس الحزب وعقيلته النائب ستريدا جعجع، النائب مروان حمادة ممثلاً رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” النائب تيمور جنبلاط والرئيس السابق للحزب وليد جنبلاط، النائب نديم الجميّل ممثلاً رئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميّل ورئيس حزب “الكتائب اللبنانيّة” النائب سامي الجميّل، النائب سجيع عطيّة ممثلاً كتلة “الاعتدال الوطني”، رئيس حزب “الوطنيين الأحرار” النائب كميل شمعون، رئيس حزب “السند” النائب أشرف ريفي، رئيس “حركة الاستقلال” النائب ميشال معوّض، أمين عام حزب “الطاشناق” النائب هاغوب بقرادونيان، رئيس حزب “مشروع وطن الإنسان” النائب نعمة افرام، نائب رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” النائب جورج عدوان، نائب رئيس حزب “الكتائب اللبنانيّة” ميشال خوري، النواب: غسان حاصباني، الياس حنكش، اديب عبد المسيح، جميل عبود، بيار بو عاصي، انطوان حبشي، شوقي الدكاش، زياد الحواط، فادي كرم، جورج عقيص، ملحم الرياشي، غادة أيوب، غياث يزبك، نزيه متى، الياس الخوري، الياس اسطفان، رازي الحاج، جهاد بقرادوني وسعيد الأسمر، النائب فؤاد مخزومي ممثلاً بالدكتور روجيه شويري، قائد الجيش العماد جوزيف عون ممثلاً بالعميد طوني معوّض، مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان ممثلاً بالعميد جان عواد، مدير عام الأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري ممثلاً بالمقدم رامي رومانوس، الوزراء السابقون: زياد بارود، يوسف سلامه، الان حكيم، ايلي ماروني، مي شدياق، ريشار قيومجيان، جو سركيس وطوني كرم، النواب السابقون: طوني ابو خاطر، عثمان علم الدين، باسم الشاب، جواد بولس، انطوان زهرا، ايدي ابي اللمع، جوزيف اسحق، وهبي قاطيشا وعماد واكيم، النائب السابق نعمة طعمة ممثلاً بالسيد طوني انطونيوس، رئيس حزب الرامغفار أڤيديس داكسيان، رئيس حزب الهنشاك ڤانيك داكسيان، رئيس حزب “حركة التغيير” ايلي محفوض، نقيب المحامين في بيروت فادي المصري، نقيب المحامين السابق في الشمال ميشال خوري ممثلاً النقيب سامي الحسن، نقيب الصيادلة جو سلوم، نقيب اطباء الاسنان في بيروت رونالد يونس، رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الاسمر، رئيس اتحاد النقابات السياحية في لبنان بيار الأشقر، رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي طوني الرامي، رئيس المجلس الماروني ميشال متى، رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم، رئيس اتحاد بلديات دير الأحمر جان يوسف الفخري، رئيس اتحاد بلديات جبيل فادي مارتينوس، رئيس اتحاد بلديات بشري ايلي مخلوف، رئيس اتحاد بلديات الكورة ربيع الايوبي، رئيس اتحاد بلديات بعبدا الساحل ريمون رزق الله سمعان، أعضاء الهيئة التنفيذيّة في حزب “القوّات اللبنانيّة”، الأمين العام والأمناء المساعدين، أعضاء المجلس المركزي في الحزب، وعدد من عمداء ومدراء جامعات، رؤساء الاتحادات العمالية، رؤساء الاتحادات الرياضية، رؤساء البلديات والجمعيات، فنانون، رؤساء بلديات، مخاتير، شخصيات اجتماعية وسياسية ورجال دين، هيئات اقتصادية، أهالي الشهداء وحشد من المحازبين والمناصرين.
بعد تلاوة الانجيل المقدس، تلا المطران عندري عظة بعنوان “فإنّنا بالرجاء خلّصنا “، وقال، “نلتقي في هذا الأحد الأوّل من شهر أيلول، للاحتفال بالقدّاس الإلهي، إحياءً لذكرى شهداء المقاومة اللّبنانيّة، وببركةٍ ورعايةٍ أبويّة من صاحب الغبطة والنيافة مار بشارة بطرس الراعي ألكلّي الطوبى الذي أولانا تمثيله في هذه الذكرى السنويّة، وشعارها ألغد لنا”.
ولفت إلى أن “الكتاب المقدّس يحتوي على رسائل ملهمة، مشجّعة، ومعزّية في غمرة النزاعات والاعتداءات والحروب والأوبئة والكوارث الطبيعيّة، ولأنّه ليس من السهل على الإنسان أن يبق متفائلاً ومفعماً بالرجاء وسط الأحداث المقلقة من أين أتت سواء من الداخل والخارج، هناك سلسلة وقائع تجعله يرتاب في أمر الغد”.
ورأى أنه “عندما تبدو الحياة اليوميّة قاتمةً والمحن العديدة التي يجب مواجهتها، يذكّرنا الكتاب المقدّس بضرورة الإيمان باللّه والرجاء الذي يساعدنا على تجاوز المعاناة والتطلّع بتفاؤلٍ إلى كلّ أمرٍ مستجد، ليتحقّق الغد لنا”.
وتابع: “استيحاءً من شعار المناسبة، الغد لنا، نتأمّل بمراجع كتابيّة أربعة، أوّلها ما قال أشعيا النبي: “أمّا الراجون للربّ فيتجدّدون قوّةً، يرتفعون بأجنحة النسور، يعدون ولا يعيون، يسيرون ولا يتعبون ” (أش40: 31). ويؤكّد لنا قداسة البابا فرنسيس بأنّ الرجاء يرتقي بالعالم ليفتح الثغرات ويبني الجسور ليبدّد الهواجس. وثانيها أوّليّة فضيلة الإيمان بحسب تعببير بولس الرسول إلى أهل روما: ” وليملأكم إله الرجاء كلّ فرحٍ وسلام في إيمانكم، لتزدادوا في الرجاء بقوّة الروح القدس ” (روم15: 13). وبالتالي فمن له الإيمان، يضع رجاءه بربّه. إنّ فضيلة الإيمان هي أولى الفضائل كي تتعمّق حقيقة اللّه فينا بملء نوره وسرّه. وثالثها متابعة الالتزام بالأهداف والمثل العليا، وفق ما جاء في رسالة القدّيس بولس الثانية إلى قورنتس: ” لا تضعف عزيمتنا… لأنّ ضيقنا الخفيف العابر يعدّ لنا ثقل مجدٍ أبديٍّ لا حدّ له. لأنّنا لا ننظر إلى ما يرى، بل إلى ما لا يرى، فما يرى مؤقّت، وما لا يرى أبديّ ” ( 2قور 4: 17-18 ). ولقد جاء في كتاب الأمير الصغير للكاتب الفرنسي Antoine De Saint-Exupéry : ” ألأساس غير مرئيٍّ في العيون، فلا نراه جيّداً إلاّ في القلب”. أجل، هكذا هي طبيعة الأهداف والمثل في الحياة. ويعقّب قداسة البابا على هذا القول: ” عش لأمرٍ يتجاوز الإنسان، وإذا كان عليك أن تدفع فاتورةً باهظة من أجل هذه الأهداف، احملها دائماً في قلبك. بالأمانة لها تحصل على كلّ شيء”.
وأشار إلى أن “المرجع الرابع يتمحور حول عدم الخوف. إذا أخذك الخوف يوماً أو إذا فكّرت أنّ الشرّ كبيرٌ ويصعب مواجهته، يقول قداسته: ” فكّر بكلّ بساطةٍ أنّ الربّ معك ويحيا فيك. فهو الذي بعذوبته، يخضع من خلالك، أعداء الإنسان: كالخطيئة، والأحقاد والكراهيّة والعنف وكلّ الأعداء “. وجاء في سفر إرميا النبي: ” لأنّي أعلم أنّ أفكاري التي أفكّرها في شأنكم، يقول الربّ، هي أفكار سلامٍ لا بلوى، لأمنحكم بقاءً ورجاءً ” (إر 29: 11 )”.
وأكد أن “عظة السيّد المسيح أتت على الجبل لترسم خريطة طريق الرجاء عبر الطوبى للمساكين بالروح، والودعاء، والحزانى، والجياع والعطاش إلى البرّ، والرحماء، وأنقياء القلوب، وفاعلي السلام، والمضطهدين من أجل البرّ. إنّها البطولة في سلوك الراجين للربّ درب التطويبات”.
وشدد العنداري على أن “”الغد لنا” هو إرادة الحياة والعمل في سائر مرافق الحياة الوطنيّة، نحن نرجو ونريد دولةً في خدمة الإنسان، نريد رجاءً جديداً للبنان، بحسب تعبير البابا القديس يوحنا بولس الثاني في الإرشاد الرسولي الذي يرى في لبنان وطناً طالما اتّجهت إليه الأبصار، وطناً مهد ثقافةٍ عريقة وإحدى منارات البحر الأبيض المتوسّط، وطناً كبيراً، واحداً موحّداً، لا نريد تغيير أو تزوير هوّيته، ولا نريد خطب الأكاذيب والكراهيّة، إنّها مهمّةٌ مشتركة، مهمّة الولاء للبنان من دون الولاء لسواه”.
واعتبر ممثل البطريرك “أنّ قيام الرجاء الجديد للبنان يتطلّب مواجهة صعابٍ ستّة وردت في الإرشاد الرسولي ولا تزال هي: الوضع في الجنوب، الاقتصاد، قوى الأمر الواقع، التهجير القسري، ألتطرًّف، والإحباط، لذلك لا بدّ في الغد لنا من دولةٍ قويّة وأقوياءٍ، لا دولة الاستقواء ولا دولة الاستلزام والانحطاط. دولةٌ لا تحمي الفساد وتستعيد الأموال المنهوبة، دولة القانون والحسّ المدني والحضارة، دولةٌ تشجّع وتعزّز رأس مالنا أي العلم والثقافة والتربية وتحصّنها من الانحدار، دولة قوّة الحرّية والديموقراطيّة بسلطاتها الدستوريّة. دولة الاستقرار والقرار يرفرف علمها على كلّ الربوع اللّبنانيّة. دولةٌ لا دويلات. مجلسٌ نيابيٌّ ينتخب رئيساً للجمهوريّة لا يطعن الهويّة اللّبنانيّة. مجلسٌ يشترّع ويحاسب ولا يعطّل. حكومةٌ تحكم، لا تساير أو توارب. قضاءٌ يعدل ولا يحابي أو يرتهن. قضاءٌ يكمل الملفّات العالقة”.
وسأل: “أين أصبح التحقيق في تفجير مرفأ بيروت؟ أين وصل التحقيق في الجرائم المتتالية من الياس الحصروني إلى باسكال سليمان والأحداث المحلّية المتنقّلة؟ أيّها المتحفون بالنظريّات والكلمات والانصياع إلى الجهات على أنواعها، أين أنتم من النزوح السوري وخطورته؟، نريد في رجائنا للبنان النصرة للمظلومين والتضامن لقضيّة فلسطين، ولكن أين بقيّة الساحات؟ إنّ خراب الوطن اللّبناني ودماره والانجرار إلى المساندة لا يحرر طريق القدس على حساب أهلنا في الجنوب شعباً وأرضاً واستباحةً للأجواء اللّبنانيّة”.
وتوجه المطران الى أهل جنوب لبنان بالقول: “يا أهلنا في الجنوب أنتم سياج الوطن، نحن أبناء ألوطن الواحد معكم في معاناتكم وتضحياتكم. رجاؤنا ألاّ يطول هذا العنف الوبال لتشرق شمس السلام والأمان”.
وقال: “أمام الارتباط والتجذر بالأرض، هل نعي أنّ أرضنا هوّيتنا؟ إنّ قيمة الأرض في وجداننا لم تعد ملكاً نتصرّف ونتاجر به على هوانا، بل هي عطيّة من اللّه، وإرثٌ من الآباء والأجداد كوديعةٍ ثمينة أو ذخيرةٍ مقدّسة. والتعامل مع هذا الإرث هو أكثر بكثيرٍ من الثمار والمواسم. لقد أصبحت الأرض ذاكرةً حيّة تؤكّد هويّتنا الخاصّة وتواصلنا بالتاريخ، هي أرضٌ مقدّسة مرويّةٌ بعرق الجبين والدم، وترابها رفات أهلنا. أرض وطأها السيّد المسيح في صور وصيدا، أرض القديسين والطوباويين أمثال شربل ونعمةالله ورفقا واسطفان نعمه ويعقوب الكبوشي والبطريرك اسطفان الدويهي. هل نترك الساحة لباعة الهيكل يتاجرون بها لنستفيق يوماً، وهو ليس ببعيد، لنصبح أغراباً في ديارنا؟”.
وأكّد أنّ “رجاء الغد لنا يتمثّل بمن يردّ الشباب إلينا غير قابعين على أبواب السفارات للهجرة وراء لقمة العيش، رجاء الغد لنا أن يكون مجتمعنا متمسّكاً بالعائلة، بالأخلاق والقيم، ورهافة الضمير، لا جندرة ولا من يحزنون، أن يكون العمل بديلاً من البطالة، المساواة بديلاً من التصنيف، المدنيّة بديلاً عن الطائفيّة، العدالة بديلاً عن الظلم، الكفاءة بديلاً عن المحسوبيّة، العلم والدواء في متناول الجميع. الغد لنا ليس جمهوريّةٌ افلاطونيّة بل جمهوريّة بناء الإنسان، المواطن الحرّ والمسؤول من الدرجة الأولى، من النخبة، لا من المتنطّحين والفاسدين”.
وختم عندراي قائلاً: “أللّهم أنت رجاؤنا وخلاصنا. أنقذ لبناننا من الأخطار المحدقة بنا. بك ومعك، الغد لنا آمين!”.
والقى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع كلمة أكد فيها أن “محور الممانعة يزجّ بلبنان في حربٍ عبثيّةٍ لا أفق لها. وهي حربٌ يرفضها اللبنانيون وفرضتْ عليهمْ فرْضاً، ولا تمتّ إلى قضاياهمْ ومصالحهم بصلة ولا تخدم إلا مشاريع ومخططاتٍ خارجيّة”، مشيراً إلى أن “هذه الحرب التي انخرط فيها حزب الله يجب أن تتوقّف قبل أنْ تتحوّل إلى حربٍ كبيرٍة لا تبقي ولا تذر”. وسأل: “كيف يسمح حزب الله لنفسه بأخذ اللبنانيين إلى حيث لا يريدون وإلى حيث يريد هو فقط وبما يخدم مشروعه وارتباطاته. منْ أجاز لحزب الله واعطاه التفويض لأنْ يصادر قرار اللبنانيين وحريّتهمْ ويحتكر قرار الحرب والسلم، وكأنّ لا دولة ولا حكومة ولا سلطة ولا مؤسساتٍ ولا شركاء له في البلد، ولا شعب حتى”.
وأعلن أنه “إذا كان البعض يريد تعديل الدستور فلا مانع لدينا. فلننتخبْ رئيساً للجمهورية أولاً، وتبعاً للدستور، وبعدها نحن جاهزون، لا بلْ ندعو، الى طاولة حوارٍ وطنيّةٍ فعليّةٍ في قصر بعبدا حيث نطرح كلّ شؤوننا وشجوننا الوطنيّة، يتركّز النّقاش فيها على عنوانٍ أوحد: أيّ لبنان نريد؟ ونتّفق على أنّنا لنْ نخرج منْ هذا الحوار كما خرجنا من كل الحوارات السابقة، فيما البلد يواصل انهياره، ومؤسساته تتآكل، وشعبه يموت ويهاجر”، مشدداً على أنه “حان الوقت لأنْ نحسم النقاش حول الأمور الخلافية الأساسيّة التي تمنع قيام دولةٍ فعليّةٍ وتبْقي لبنان ساحة فوضى وفسادٍ وعدم استقرار”.
وأوضح جعجع أنه “إذا كان البعض يعتقد بأنّه في نهاية الحرب التي نمرّ بها، ومهْما كانتْ نتائجها، فإنّ المجموعة الدوليّة كما العربية ستفاوض محور الممانعة بخصوص مستقبل لبنان لأنّه الفريق المدجّج بالسلاح، فهْو مخطئ. لأنّ أحداً لنْ يقبل بأنْ يعود الوضع في لبنان الى ما كان عليه قبْل الحرب وأنْ تسْتمرّ الدولة في فقدان قرارها وتفكّكها. الجميع في اليوم التالي للحرب سيتفاوضون مع من يملك مفاتيح اليوم التالي، مفاتيح المستقبل، معْ منْ يملك الرّؤيا والخّطّة والإصلاح، لا مع الذي لا رؤية له إلاّ الحرب، ولا إصلاح لديه إلاّ التجارات الممنوعة والاقتصاد الرديف”.
وشدد على أن “اليوم التالي في لبنان هو لنا، “بكرا إلنا” ليس لسببٍ سوى لأنّنا أولاد الغد، نحمل لغته ومفاهيمه وخططه وبرامجه منذ الآن، متحلّين بكلّ ما يلزم منْ أخلاقٍ واستقامةٍ وشفافيّةٍ ومعرفةٍ بالشيء تمكّننا منْ أنْ نصنع الغد. أمّا محور الممانعة وحلفاؤه، فرأينا ما كانتْ نتيجة تحكّمه بزمام الأمور، وهو لا يصلح إطلاقاً، لا هو ولا حلفاؤه، لليوم التالي، ولا يتوقّعنّ أحدٌ أنْ يكونوا همْ عنوان المرحلة المقبلة”، مؤكداً أن “الجميع بعد نهاية هذه الحرب سيرى نفسه ملزماً بدعْم نظرتنا لقيام الدولة لأنّ الجميع يريد استقرار لبنان، الذي يشكّل ضمانةً للجميع في الداخل والخارج، ولأنّ الجمهوريّة القويّة وحدها تؤمّن هذا الاستقرار، وْنحْن بناة “الجمهورية القوية”.
وتوجّه لـ”حزب الله” بالقول: “إنّ سلاحك لا يحمي الطائفة الشيعية، كما أنّ أيّ سلاحٍ لا يحمي طائفةً معيّنة. وإنْ كان هناك من حمايةٍ فهْي حتماً في كنْف الدولة الفعليّة العادلة القادرة. فالضمانات من مسؤوليّتها، وطمْأنة بعضنا البعضْ من مسؤوليتنا جميعاً. إنّ ما نريده ونعمل من أجله هو الغد لنا جميعاً كلبنانيين، فقدْ آن الأوان أنْ نخرج معاً من الماضي لكي نبني المستقبل بناءً يجسّد طموحات كلّ مكوّنٍ منّا بعيدا عن منطق الهواجس الظرفيّة او الوجودية. إنّ ملاقاة بعضنا البعض في الوطن من شأنها تبديد كلّ المخاوف وإسقاط كلّ الرهانات الخارجية من أيّ جهةٍ أتتْ. إنّ أوّل خطوةٍ غايةً في الإلحاح في الوقت الحاضر هي انتخاب رئيسٍ للجمهورية”.
واعتبر جعجع أنّ “انتخاب رئيس الجمهورية يجبْ ألّا يكون موضع مساومةٍ بلْ يجبْ أنْ يبقى مستنداً الى قواعد دستوريةٍ واضحة لا لبْس فيها ولا تخضع لأيّ اجتهاد. وعلى الرئيس نبيه بري أنْ يدعو وكما نصّ الدستور إلى جلسة انتخابٍ مفتوحةٍ بدوراتٍ متتاليةٍ حتى التوصّل إلى انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة. ولْيفزْ منْ يفزْ ويلْقى التهنئة والمباركة من الجميع بدلاً منْ أنْ نظلّ في دوّامة التعطيل والدعوات العقيمة إلى حوارٍ، جرى ويجري كلّ يومٍ ومنْ دون أنْ يؤدّي إلى أيّ نتيجة. على الرئيس بري أنْ يفكّر ويتصرّف من موقعه الدستوريّ المسؤول كرئيسٍ لمجلس النواب وليس منْ موقعه السياسيّ كطرفٍ وحليفٍ لحزبٍ لديه حساباتٌ ابعد منْ رئاسة الجمهوريّة وأبْعد منْ لبنان حتّى”.
وأوضح أننا “لنْ نقبل وتحت ايّ ظرفٍ من الظروف بأنْ يفْرض فريقٌ لبنانيٌّ موقفه ومرشّحه على كلّ الآخرين، وأنْ يضع يده على رئاسة الجمهوريّة وأنْ يمْعن في التّعطيل والتزوير. ألطريق إلى قصر بعبدا لا تمرّ في حارة حريك، والدخول إلى قصر بعبدا لا يكون من بوابة عين التينة ووفْق شروطها وحوارها المفْتعلْ. الطريق الى قصر بعبدا تمرّ فقطْ في ساحة النّجمة ومنْ خلال صندوق الاقتراع. إنّ مسألة رئاسة الجمهوريّة تعني جميع اللبنانيين والمسيحيين منْهم بشكلٍ خاص عملاً بقواعد النّظام. ولا يمكن لأيّ فريقٍ مهْما جبر وتجبّر ورفع الصوت وتوعّد أنْ يحتكر ويتحكّم وينسف التوازنات والشراكة الوطنيّة ويبتدع سوابق ويستحدث اعرافاً تصبح اقوى من الدستور وفروعاً تصبح هي الأصل والأساس”.
وتابع: “يشترطون حواراً لانتخاب رئيس الجمهوريّة ويرفضون حواراً لإنقاذ الوطن من براثن الحرب وإخراجه من النّفق المظلم. عندما يعجزون عن فرض مرشّحهمْ والرئيس الذي يريدون، يطرحون الحوار للتّحايل على الواقع وليحقّقوا عن طريقه ما لمْ يستطيعوا تحقيقه عن طريق القواعد والآليّات الدستوريّة والديمقراطيّة. وعندما يريدون التفرّد بقرار الحرب وسوْق لبنان واللبنانيين إلى اتون حربٍ لا قدرة ولا طاقة لهمْ عليها، يرفضون الحوار ويتجاهلون الدعوات النيابيّة الملحّة والمحقّة لمناقشة الحكومة في مجلس النواب حول الحرب. هنا يحضرني قول سماحة الإمام المغيّب ألسيّد موسى الصدر:” أنا لا أنْكر وجود ظالمٍ ومظلومٍ. ولكنْ لا نريد أنْ نحوّل المظلوم الى ظالمٍ، والظالم الى مظلومْ”.
ودعا جعجع “اللبنانيين المخلصين، وهمْ كثرٌ، الى المشاركة جميعنا في خارطة طريقٍ لوقْف الدوران في هذه الحلقة الجهنّمية، والخروج منْها الى حلقة بناء وطنٍ فعليٍ بدولةٍ فعليّة. إنّ أوّل خطوةٍ على هذا الطريق هي تضافر كلّ النوايا الحسنة الموجودة في المجلس النيابيّ والذّهاب، غداً، وبحكْم المسؤوليّة التي حمّلها الدستور للنّواب بالذّات في هذا المجال، ألذّهاب الى المجلس النيابيّ وانتخاب رئيسٍ جديدٍ للبلاد”.
جعجع، وفي كلمة ألقاها عقب قداس شهداء المقاومة اللبنانيّة الذي أقيم في المقر العام لـ”القوّات اللبنانيّة” في معراب، لفت إلى ان الوضع الحالي لا يمثل الحقائق المجتمعية التاريخية للبنان، بل هو نتيجة لتراكمات سلبية على مدى السنوات الثلاثين الأخيرة بفعل تسلط دولتي إيران والنظام السوري، إضافة إلى بعض المجموعات السياسية الداخلية الفاسدة. واعتبر أن هذا الواقع مصطنع وقام على وهم السيطرة والفساد، لكنه حكمًا آيل للسقوط مع سقوط العوامل التي أدت إلى قيامه.
وكان جعجع قد استهل كلمته بالقول: “اليوم سأبدأ بكلمة صغيرة موجهة لعائلة الشهيد الصغيرة: والدته ووالده، زوجته وأولاده، إخوته وأخواته. صحيح أننا نركز دائمًا على القضية الكبيرة وتحدياتها وتعقيداتها وتشعباتها، ولكن لا تظنوا أنكم تغيبون عن بالنا ولو للحظة. صحيح أننا نراكم مرة في السنة، ولكن تلك المرة تبقى محفورة في قلوبنا وحاضرة في عقولنا في كل لحظة. لا تظنوا أننا لا ندرك مدى صعوبة الفراق، حتى وإن كان من أجل الدفاع عن الوجود، أو صونًا للحرية أو إيمانًا بقضية مهما كانت سامية. ولكن الفراق يبقى فراقًا”.
وتابع: “نحن جميعًا نقدّر ما عانيتموه وما زلتم تعانونه بسبب فقدان أحباء لكم. نحن جميعًا ننحني أمام وجعكم وآلامكم وتضحياتكم. النقطة الأساسية التي تعزّينا في هذا الصدد هي أن أبناءكم ما زالوا أحياء، حتى وإن لم تروهم وتلمسوهم كل يوم، فإنهم ما زالوا أحياء لأن قضيتهم ما زالت حية. لأن القضية التي استشهدوا من أجلها ما زالت حية، ولأن رفاقهم ورفيقاتهم اجتمعوا ليحملوا الشعلة من بعدهم ويواصلوا النضال والكفاح حتى الاستشهاد للوصول إلى الهدف الذي من أجله استشهد أحباؤكم. الفراق صعب، ولكنه يصبح مفهومًا عندما يرتبط بمسيرة الأبرار والقديسين على هذه الأرض”.
وتوجّه خلال كلمته إلى باسكال سليمان، وقال: “رفيقي باسكال سليمان، لا أستطيع أن أنسى ذلك اليوم الأحد 7 نيسان 2024. كنت في بشري، فجاءني خبر اختطافك. تحركت على الفور وذهبت إلى مقر منسقية “القوات” في مستيتا بجبيل. عند وصولي، فوجئت بأن جميع رفاقك كانوا هناك. ليس فقط رفاقك من جبيل، بل من جميع مناطق لبنان، من عكار إلى بنت جبيل، ومن بيروت إلى القاع. ملأوا الساحات والشوارع، والسيارات لم تعد تستطيع الوصول. هذا نحن يا باسكال، هذه هي القوات اللبنانية: عاصفة من البطولة تهبّ كلما دق الخطر، ولن تهدأ قبل معرفة الحقيقة وإحقاق الحق. هذا فصل جديد من فصول المقاومة اللبنانية كما عرفناها منذ 50 عامًا، منذ 100 عام، منذ 200 عام وعبر العصور، وكما سنعرفها كل يوم وبعد مئات السنين”.
وتابع: “هذا العام لم ينضم باسكال إليكم فحسب، بل رفيقنا سليمان سركيس أيضًا. شاب في مقتبل عمره، عريس جديد، استشهد غدرًا ضحية حقد أعمى بينما كان يفتح محله في شكا، ليس لسبب سوى لأنه ابن أحد مناضلي “القوات” في شكا، فارس سركيس. على كل حال، البطولة والشهادة ليست جديدة على شكا أبدًا”.
وقال “إنني لا أستطيع أن أنسى في تموز 1976، عندما احتلت مجموعات مسلحة غريبة معظم أحياء شكا، كيف بقيت ثلاث فتيات، ليانتين وهند ونساريا، في موقعهن في دير الرهبان، بينما كان المسلحون يحاصرونهن من الجهات كلها. بقين في موقعهن ورفضن تركه، رغم كل النداءات التي وجهت إليهن، وصمدن حتى شنّ الهجوم المضاد وتحررت شكا وتحررت معها المنطقة بأكملها. رفيقي سليمان، هذه هي شكا، هذا نحن، هذه هي “القوات”.
وشدد جعجع على أننا “إن ننسى لن ننسى شهيدنا المثال والرمز الياس الحصروني، الذي رغم أنه ليس بيننا جسدًا، إلا أنه يبقى بيننا روحًا، طيفه حاضر بيننا في كل ساعة وكل وقت، ذكراه، بطولته، شهامته، التزامه بشعبه وقضيته حتى الاستشهاد. الياس الحصروني سيبقى معنا دائمًا”.
وتوجّه إلى عين إبل وأهلها، قائلاً: “أما أنت يا عين إبل، فقد كنت وستظلين منبعًا للبطولة. تحية كبيرة لأهالي عين إبل، وأيضًا لأهالي رميش ودبل والقوزح وعلما الشعب وقرى مرجعيون حاصبيا وكل قرى الجنوب الصامدة الصابرة في وجه كل ما يحدث في الوقت الحاضر. تحية لهذا الشعب المقاوم الذي يتمسك بأرضه رغم كل الظروف الصعبة التي يعيشها، لا دولة مسؤولة عنه، ولا يعلم من يتخذ القرار عنه، ولا يعرف ما يخبئ له الغد. رغم كل هذا الواقع، متمسك بأرضه، بقراه، يحمل صليبه ويواصل طريقه بإيمان كامل بمستقبله. هذا هو شعبنا المقاوم، هذا نحن، هذه هي المقاومة اللبنانية الحقيقية. ولذلك، المستقبل لنا!”.
وأوضح جعجع أنه “عندما لا يرى أحدنا شيئاً في الأفق، فهذا لا يعني أنّه لا يوجد شيءٌ في الأفقْ. صحيحٌ انّ الدنيا في الوقت الحاضر كلّها سوادٌ، فنحن صراحةً نواجه واحداً من أصعب واخطر الأوضاع التي مررْنا بها في تاريخنا”، معتبراً أننا “نتعرّض حالياً لأسوأ وأبشع خطةٍ ومحاولةٍ لترويضنا وتركيعنا وإنهاكنا وإفراغ وجودنا من مضمونه وتغيير وجهه ووجهته، وشلّ دولتنا وتخريب مؤسساتها. ردّة فعلنا الأولى والاساسية وبعد إدراكنا لما يخطّط لنا، هي انْ نكون أكثر صلابةً من أيّ وقتٍ مضى، أكثر تصميماً من أيّ وقتٍ مضى، أكثر نشاطاً من أيّ وقتٍ مضى وأكثر عطاءً لنقضي على هذا السواد، متذكّرين دائماً بأنّ النور على صغره ونعومته يبدّد العتمة بلمح البصر ويقتلعها من جذورها”.
وشدد رئيس “القوات” على ألا “يعتقدنّ أحدٌ بأنّ الأمور في لبنان انتهتْ الى ما نحن فيه في الوقت الحاضر وبأنّه حكم علينا أنْ نعيش الوضع الحاليّ إلى ما لا نهاية. إنّ الوضع الذي نحن فيه في الوقت الحاضر لا يعبّر إطلاقاً عن الحقائق المجتمعيّة التاريخيّة الفعليّة للبنان، بلْ هو نتاج تراكماتٍ سلبيةٍ على مدى السنوات الثلاثين الأخيرة من تاريخنا، بفعْل عهد الوصاية بالدّرجة الأولى، وبفعل تسلّط دولتين، إيران والنظام السوريّ، على أمور وشؤون لبنان واللبنانيين بالدرجة الثانية وحتّى الساعة، وبفعل انجرار بعض الداخل اللبنانيّ مع المحور التوسّعيّ الممانع الذي اجتاح المنطقة بأكملها في العقود الأخيرة، وبفعل بعض المجموعات السياسيّة الداخليّة الفاسدة، المتواطئة، والتي لم يكنْ همّها في كلّ المراحل السابقة، وحتّى يومنا هذا سوى مواقعها ومصالحها الشخصيّة والحزبية”.
وتابع: “الواقع الذي نعيش في الوقت الحاضر واقعٌ اصطناعيٌّ مشؤوم مغشوشٌ قام على وهم سيطرةٍ مفترضةٍ من قبل محْور الممانعة المحليّ بمساندةٍ ومساعدةٍ عسكريةٍ وماليةٍ وسياسيةٍ لا حدود لها منْ محور الممانعة في المنطقة. قام على انهزاميةٍ وخوفٍ من مواجهة الحقيقة عند البعضْ، كما قام على فسادٍ ما بعده فسادٌ عند البعض الآخر. لا يعتقدنّ أحدٌ بأنّ الواقع الذي نعيشه اليوم يمثّل حقيقة لبنان واللبنانيين أوْ أنّه مقيّضٌ له الاستمرار. إنّه واقعٌ مصطنعٌ، تجمّعتْ عدة عناصر خارجية، أهمّها إيرانية أسدية، وداخليّة، أهمّها التواطؤ والفساد والذمّيّة، الجبْن والانهزامية، أدّتْ الى قيامه، ولكنْ، ما قام على باطلٍ وتواطؤٍ وفسادٍ وعوامل خارجيةٍ قاهرةٍ، آيلٌ حكْماً للسقوط مع سقوط أيٍّ من العوامل التي أدّت الى قيامه”.
وأعلن أن “الغد لنا، الغد لنا ولكلّ لبنانيٍّ يفكّر بمنطق الغد. الغد لنا، لأنّنا لا نفكّر أبداً بمنطق السّيطرة، الغد لنا، لأنّنا بعيدون كلّ البعد عن المصالح الشخصيّة والحزبيّة الضيّقة وعن مقايضة الثوابت والمبادئ والمسلّمات بحفْنةٍ من المناصب والدولارات، الغد لنا، لأنّنا بعيدون كلّ البعد عنْ أيّ روحٍ انهزاميّةٍ متلوّنة مسايرة، الغد لنا، لأنّ الاستقامة والشفافيّة والنّزاهة والصّدق هي عنوان الخدمة العامّة بالنسبة لنا، الغد لنا، لأنّنا ننطلق من واقع لبنان المجتمعيّ التاريخيّ بشكلٍ علميٍّ للوصول للتركيبة الفضْلى لدولةٍ لبنانيةٍ حرةٍ سيّدةٍ مستقلةٍ بالفعل، يعيش في ظلالها المواطن اللبنانيّ بكرامته وعزّته بعيداً من العوز والتسكّع والبطالة والحرمان. في دولةٍ تضمن له حاضره والأهمّ مستقبل أولاده. دولةٌ لا توقعنا بحربٍ كلّ بضْع سنواتٍ، ولا تترك ارضنا تستباح لا منْ أقربين ولا من أبعدين. دولةٌ تسير فيها الأمور من دون تعطيلٍ ولا مقاطعةٍ ولا شللْ. دولةٌ إداراتها عاملةٌ شغّالةٌ كلّ الوقت بعيداً منْ أيّ خلافٍ في وجهات النّظر بين أركان السّلطة. دولةٌ نقول، ولكنْ على نطاقٍ أوسع ممّا كنّا نقوله في السابق: نيال مين إلو مرقد عنزة في ظلالها”.
وتوجّه للذي “يقول لنا: أصبحتمْ قليلي العدد”، بالقول: “قليلو العدد، كثيرو الفعل والإنتاج والخدمة العامّة، كثيرو الإشعاع في التربية والتعليم والطّبّ والفنّ والثقافة والحضارة والاقتصاد، معتصمون دائماً أبداً بالوضوح والصلابة والاندفاع والمواجهة في سبيل لبنان، كلّ لبنانْ”.
وتابع: “ولمنْ يقول أنّنا زينة لبنان ورونقه، نقول لا بلْ نحن جوهر وجوده وركنه وعنوانه، بالإضافة الى كلّ ذلك، فإنّ كلّ الأعداد والنسب التي ترمى يميناً ويساراً في بعض الإعلام هي غير دقيقةٍ، عدا عنْ عاملٍ أساسيٍّ وجوهريٍّ وهو أنّ الدستور اللبنانيّ غير مبنيٍّ إطلاقاً لا على العدّ ولا على الأرقام، إنّ كلّ من يتكلّم بلغة الأعداد، يقول علناً أنّه يريد تغيير الدستور”.
وأعلن جعجع أنه “إذا كان البعض يريد تعديل الدستور فلا مانع لدينا. فلننتخبْ رئيساً للجمهورية أولاً، وتبعاً للدستور، وبعدها نحن جاهزون، لا بلْ ندعو، لطاولة حوارٍ وطنيّةٍ فعليّةٍ في قصر بعبدا حيث نطرح كلّ شؤوننا وشجوننا الوطنيّة، يتركّز النّقاش فيها على عنوانٍ أوحد: أيّ لبنان نريد؟ ونتّفق على أنّنا لنْ نخرج منْ هذا الحوار كما خرجنا من كل الحوارات السابقة، فيما البلد يواصل انهياره، ومؤسساته تتآكل، وشعبه يموت ويهاجر”، مشدداً على انه “حان الوقت لأنْ نحسم النقاش حول الأمور الخلافية الأساسيّة التي تمنع قيام دولةٍ فعليّةٍ وتبْقي لبنان ساحة فوضى وفسادٍ وعدم استقرار”.
واستطرد: “بكافة الأحوال، للذي يحاول تعييرنا بأنّنا قليلو العدد نقول له: إنّ الكرام قليل، وما همّ من كان قليله مثلنا، شبابٌ تسامى للعلا وكهول”.
وأوضح جعجع أنه “إذا كان البعض يعتقد بأنّه في نهاية الحرب التي نمرّ بها، ومهْما كانتْ نتائجها، فإنّ المجموعة الدوليّة كما العربية ستفاوض محور الممانعة بخصوص مستقبل لبنان لأنّه الفريق المدجّج بالسلاح، فهْذا البعض هو مخطئ، لأنّ أحداً لنْ يقبل بأنْ يعود الوضع في لبنان الى ما كان عليه قبْل الحرب وأنْ تسْتمرّ الدولة في فقدان قرارها وتفكّكها، الجميع في اليوم التالي للحرب سيتفاوضون مع من يملك مفاتيح اليوم التالي، مفاتيح المستقبل، معْ منْ يملك الرّؤيا والخّطّة والإصلاح، لا مع الذي لا رؤية له إلاّ الحرب، ولا إصلاح لديه إلاّ التجارات الممنوعة والاقتصاد الرديف”.
وتابع: “لقد تعب الجميع من الخطابات الرنّانة والحروب المستمرّة والتي أوصلتْ الى اهتراء الدولة والى فسادٍ مستشْرٍ، والى انهيارٍ اقتصاديٍّ لم يشهدْ له لبنان مثيلاً، وإلى ضياع تعب وعرق الناس من خلال ضياع ودائعهمْ، وإلى فقْرٍ وعوزٍ وتعتيرٍ اجتماعيٍّ قلّ نظيره سابقاً في لبنان، حتّى بات لبنان يصنّف، في جميع المجالات، الآخر إذا لم يكن الأخير في أسْفل قائمة دول العالم مع الصومال وفنزويلا بعد أنْ كان سويسرا الشرق”.
ولفت إلى أن “أكثرّيّة الشعب اللبنانيّ كما جميع أصدقاء لبنان في الشرق والغرب ملّوا ويرفضون بقاء لبنان في هذه الوضعيّة التعيسة التي أوْجده فيها محور الممانعة بالتواطؤ مع بعض السياسيين أكلة الجبْنة الذين خانوا الأمانة ولم يفعلوا إلاّ الاهتمام بمصالحهم السياسيّة الضيّقة ومصالحهمْ الماليّة الواسعة”.
وشدد على أن “اليوم التالي في لبنان هو لنا، “بكرا إلنا” ليس لسببٍ سوى لأنّنا أولاد الغد، نحمل لغته ومفاهيمه وخططه وبرامجه منذ الآن، متحلّين بكلّ ما يلزم منْ أخلاقٍ واستقامةٍ وشفافيّةٍ ومعرفةٍ بالشيء تمكّننا منْ أنْ نصنع الغد، أمّا محور الممانعة وحلفاؤه، فرأينا ما كانتْ نتيجة تحكّمه بزمام الأمور، وهو لا يصلح إطلاقاً، لا هو ولا حلفاؤه، لليوم التالي، ولا يتوقّعنّ أحدٌ أنْ يكونوا همْ عنوان المرحلة المقبلة، إنّ الجميع بعد نهاية هذه الحرب سيرى نفسه ملزماً بدعْم نظرتنا لقيام الدولة لأنّ الجميع يريد استقرار لبنان، الذي يشكّل ضمانةً ومطلباً للجميع في الداخل والخارج، ولأنّ الجمهوريّة القويّة وحدها تؤمّن هذا الاستقرار، ونحن بناة “الجمهورية القوية”.
وتطرّق جعجع إلى ما ينبغي فعله في اليوم التالي في لبنان، وقال: “أوّل شيءٍ يجب فعله في اليوم التالي هو تطبيق الدستور والقوانين لقيام دولةٍ فعليةٍ ومؤسساتها، فلا كيان لا تحفظه دولةٌ، ولا دولة يمكن انْ تقوم خارج الدستور والقوانين، وإذا لم تفْرضْ سطْوتها على كامل ترابها وحدودها بقواها الشرعية، وإذا لمْ تمتلكْ قرار الحرب والسّلم. أوّل شيءٍ يجب أن نقوم به في اليوم التالي هو إعادة النظر في كلّ شيءٍ في لبنان ما عدا حدوده ووحدته، اليوم التالي لا يمكننا الوصول إليه من خلال المجاملات الساذجة والمجاملة الفارغة، وقول الأشياء دون الإشارة إلى شيءٍ محددٍ”.
وتابع: “لقد رأينا إلى أين أوصلتْنا الطريقة اللبنانية التقليدية في معالجة الأمور، اليوم التالي يجب أن يكون يوم الصراحة، يوم الوضوح والشفافية والحديث المباشر، يجب أن يكون يوم طرح الحقائق كما هي من دون تحريفٍ أو خبثٍ، ومن دون حديثٍ مزدوجٍ بين ما يقال فوق الطاولة وما يخطّط له تحت الطاولة، ويجب إعادة النظر في كلّ شيءٍ في لبنان ما عدا حدوده ووحدته، لأنّنا نعيش منذ 20 عامًا في جحيمٍ، أحيانًا معلنٍ وأحيانًا غير معلنٍ. لكنّ حتى قبل هذه العشرين سنة، لم نكنْ نعيش كما ينبغي، كلّ عامين أو ثلاثة هزّةٍ، أو حربٍ أو أزمةٍ أو مقاطعةٍ، ودائمًا دولةٌ مشلولةٌ أو شبه مشلولة ومواطن ضائع بين حبّه لأرضه ووطنه وبين نوعية حياةٍ لا تليق به ولا بأولاده”.
وأوضح جعجع أننا “اليوم لا نفترض ولا نحلّل، ولا نطرح نظرياتٍ، تجربة الخمسين سنةٍ الأخيرة من تاريخنا هي أكبر دليلٍ على ذلك، من دون الذهاب أبعد من ذلك، الكارثية بكلّ معنى الكلمة، ماذا ننتظر بعد؟ من جرّب المجرّب كان عقله مخرّبًا. وبالتالي، علينا جميعًا كلبنانيين البحث عن تركيبةٍ أخرى لدولتنا تخلّصنا من تعقيدات الطائفية السياسية، وتتيح لنا أن نعيش في شراكةٍ حقيقيةٍ مع بعضنا البعض. تركيبةٌ أخرى تمكّننا من العيش بكرامةٍ، بحريةٍ، في وطنٍ ممسكٍ بزمامه، وليس في أرضٍ مستباحةٍ، بدولةٍ كلّ اهتمامها واقع شعبها ومستقبله، وليس دولةً مشلولةً معظم الوقت، تأخذ ضرائب من الشرفاء من شعبها، ولا تقدّم لهم بالمقابل شيئًا”.
وشدد جعجع على أن “الغد لا يحتاج إلى رجال الأمس يحتاج إلى رجال الغد. ونحن وكلّ اللبنانيين المخلصين هم رجال الغد، نحن مع القضيّة الفلسطينيّة ليس على أساسٍ دينيٍّ أو عرقيٍّ بل على أساس الحقّ والعدل، بالوقت الذي نحن فيه ضدّ السلاح الفلسطينيّ على أرض لبنان، هذا ما أدركتْه القيادة الفلسطينية مشكورةً ولو بعد حينٍ وهذا ما يجبْ أنْ تكون عليه العلاقة بين الشعبين اللبنانيّ والفلسطينيّ”.
أما بالنسبة للقضيّة الفلسطينية وحرب عزّة، فقال: “نحن نتضامن أشدّ التضامن مع الشعب الفلسطينيّ ومعاناته الهائلة في غزّة. نتضامن مع الشّعب الفلسطينيّ بما لنا من قدرةٍ وطاقةٍ عليه، تضامنٌ صادقٌ من القلب، تضامنٌ صافٍ ومباشر، ومن دون ادّعاءاتٍ فارغة ولا بهْوراتٍ في غير محّلّها، ولا استعراضاتٍ لا تغْني ولا تسْمن، ولا على ضهْر البيعة في سياق استراتيجيّاتٍ أخرى لها أهداف ومرامٍ أخرى”، وأكّد أن “للشعب الفلسطينيّ كلّ الحقّ في أنْ يعيش بسلامٍ وأمانٍ وكرامةٍ مثل أيّ شعبٍ في العالم. وفي أنْ تكون له دولته المعْترفْ بها دولياً”.
وتابع: “نحن نتضامن مع الشعب الفلسطينيّ وقضيّته العادلة التي يجب أنْ تتضافر الجهود الدولية والعربية لإيجاد حلٍّ شاملٍ لها على اساس القرارات الدوليّة والمبادرة العربية للسلام التي أقرّتْ في قمّة بيروت عام 2002، أي حلّ الدولتين، فلا يزايدنّ أحدٌ علينا في هذا المجال ولا يحاولنّ أحدٌ أنْ يستغلّ القضيّة الفلسطينيّة لتقوية مصالحه وتعزيزها داخل لبنان وداخل الإقليم، وللتغطية حتى على قتاله للفلسطينيين بالذات في مخيم اليرموك وغيره لسنواتٍ خلت، أو أنْ يستخدمها مطيّةً وأداةً لتصفية حساباته السياسيّة في الداخل، ولتبرير خروجه المشين والفاضح على السّلطات والقوانين والدولة والمبادئ ضارباً عرض الحائط بالمصلحة اللبنانيّة ومغامراً بلبنان ودوره ومستقبله”.
وشدد على أن “محور الممانعة يزجّ بلبنان في حربٍ عبثيّةٍ لا أفق لها، حربٌ يرفضها اللبنانيون وفرضتْ عليهمْ فرْضاً، لا تمتّ إلى قضاياهمْ ومصالحهم بصلة ولا تخدم إلّا مشاريع ومخططاتٍ خارجيّة. هذه الحرب التي انخرط فيها حزب الله يجب أن تتوقّف قبل أنْ تتحوّل إلى حربٍ كبيرٍة لا تبقي ولا تذر… نحن نسأل كيف يسمح حزب الله لنفسه بأخذ اللبنانيين إلى حيث لا يريدون وإلى حيث يريد هو فقط وبما يخدم مشروعه وارتباطاته”، وسأل: “منْ أجاز لحزب الله واعطاه التفويض لأنْ يصادر قرار اللبنانيين وحريّتهمْ ويحتكر قرار الحرب والسلم، وكأنّ لا دولة ولا حكومة ولا سلطة ولا مؤسساتٍ ولا شركاء له في البلد، ولا شعب حتى، كيف يعقل أن يكون لبنان الدولة العربيّة الوحيدة المتورّطة في هذه الحرب؟ لماذا لم تتحرّكْ جبهات دول الطوق والجوار وأوّلها الجبهة السوريّة، سوريا الصمود والتصدي، وهي في صلب محور المقاومة؟ لماذا يزجّ بلبنان وحده ويستدرج الى التدمير والخراب وهو العاجز عن تحمّل أدنى أدنى أدنى تبعات الحرب وفاتورتها الباهظة وهو لا يمتلك الحدّ الأدنى من مقوّمات الصّمود والمواجهة، ودولته متحلّلة، وفي ظلّ فراغٍ رئاسيٍّ متمادٍ، وحكومة تصريف أعمالٍ، ومجلس نوابٍ معطّل وممنوعٌ عليه حتّى انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة؟”.
وأشار إلى أن “هذه حربٌ لا يريدها اللبنانيون ولم يكنْ للحكومة رأيٌ فيها وكلمة. هذه حربٌ لا تخدم لبنان، ولمْ تفدْ غزّة ولمْ تخففْ من معاناتها واوجاعها قيْد أنملة. واحداث الاشهر العشرة الأخيرة “ورح يصيروا 11″ خير دليلٍ على ذلك، ويريدونك انْ تصفّق لهم وتشدّ على ايديهمْ وتقبل صاغراً بما خطّطوا له ونفّذوه ضاربين عرض الحائط بالدولة وسلطتها وسيادتها وكلّ المواثيق والأعراف. وإذا لم تفعلْ تصبحْ خائناً وعميلاً فيما همْ يمثّلون قمّة العمالة والارتهان لمصالح دولةٍ ومشروعٍ غير لبنان”.
وأكّد أنه “على منْ تورّط في هذه الحرب من حيث يدري أو لا يدري، وعلى من أخطأ في حساباته ان تكون له شجاعة الخروج من هذه الورطة القاتلة، ومن مشاريعه وارتباطاته الاقليميّة. هذا امرٌ ممكنٌ ومتاحٌ إنْ توافرتْ النيّة السياسيّة والحسّ الوطني. هذا امرٌ سهلٌ، ولا يتطلّب الا الالتزام بتنفيذ القرار 1701 بكلّ مندرجاته، ونشر الجيش اللبنانيّ على طول الحدود الجنوبيّة لحمايتها، وتأمين سيادة الدولة على كامل أراضيها، وحصر قرار الحرب والسّلم بيد الحكومة اللبنانيّة لوحدها”.
وسأل جعجع: “أين هي الحكومة اللبنانية اليوم؟، “ما يطووا رقبتن ويقولوا ما دخلنا”.
وطالب جعجع الحكومة اللبنانية “التي هي صاحبة الدار والقرار، انْ تدعو حزب الله الى وقْف هذه الحرب العبثيّة التي لا مبرّر ولا أفق لها، أنْ يفعلها الحزب متأخراً خيرٌ من انْ لا يفعلها ابداً لأنّ ما خسرناه على فداحته قليلٌ مقارنةً بما قدْ نخسره لاحقاً. على حزب الله ان يتحلّى بشجاعة اتخاذ الموقف الوطنيّ الصحيح لأنه لا يكفي أن يتحلى بشجاعة القتال فقط… أمّا إذا أصرّ على الاستمرار في الحرب والهروب إلى الأمام “عم قلو ياها من هلق” فإنّ عليه أنْ يتحمّل لوحده العواقب والمسؤوليّة امام الله والوطن والشعب والتاريخ”.
واعتبر أنه “إذا كان الحزب أخطأ في حساباته وفي دخوله الحرب “فـالرجوع عن الخطأ فضيلة”، ولكنّ الأهمّ عليه ألاّ يخْطئ في حساباته لما بعد الحرب أيّاً تكنْ نهايتها ونتائجها، للارتداد إلى الداخل ومحاولة فرض معادلاتٍ معيّنةٍ وتحصيل مكاسب والتعويض عن خسائره او لترجمة ما يدّعيه ويتوهّمه انتصاراً”.
أضاف: “لا يعتقدنّ أحدٌ في لبنان مهما بلغ من فائض قوةٍ أنّ بإمكانه تغيير هويّة لبنان او المسّ بخصائصه وتوازناته او تزوير تاريخه واخذه الى مكانٍ آخر لا يشبهه وإلى دورٍ آخر يتعارض مع دوره التاريخيّ، لبنان كان وسيبقى ارض الحريّة والكرامة والحضارة والتنوّع، الملتزم بالقضايا العربيّة والمواثيق الدّوليّة، لبنان كان وسيبقى سيداً حراً مستقلاً وابواب القذائف والمسيّرات والصواريخ على أنواعها لنْ تقوى عليه”.
وتابع: “إنّ قراءتنا لعناصر القوة الوطنية تدفعنا إلى مصارحة “حزب الله” بأنّ حزن وألم عائلات شهدائهمْ وجرحاهمْ لا يعني شعور فرحٍ وغبطةٍ لدينا او لدى لبنانيين آخرين. بلْ على العكس، نحن نحزن لسقوط لبنانيين إخوةٍ لنا وشركاء في الوطن، ولما يحلّ في الجنوب من دمارٍ وخراب، ولما يصيب أهلنا منْ مآسٍ وحروبٍ حاولْنا كثيراً بمواقفنا وعملنا السياسيّ والنيابيّ تجنيبهم إيّاها”.
واستطرد: “إنّ ما يصيب أيّ طرفٍ لبنانيٍّ يصيبنا نحن أيضاً، ومنْ غير الصّحيح أنّنا نراهن على هذا العامل أو ذاك الاستحقاق أيّاً وأنّى يكنْ. رهاننا الوحيد كان وسيبقى على أنفسنا ووعْي اللبنانيين الآخرين. ولنا مثالٌ حيٌّ على ذلك في مصالحة الجبل التاريخية، التي نتمسّك بها ونحميها برموش عيوننا كلّ الوقت، ونتطلّع الى أنْ تكون مثالاً يحتذى، وكبقعة الزيت تمتدّ تباعاً جنوباً وشمالاً وشرقاً لتشمل كلّ الجغرافيا اللبنانيّة قاطبةً”.
وشدد على أن “رهاننا أنْ نبقى موجودين كلّنا، بشراكةٍ حقيقيةٍ كاملة، بتركيبةٍ للدولة تحقّق هذه الشراكة، وبعيداً عن استئثار أيّ مكوّنٍ لبنانيٍّ بالسّلطة لوحده، منْ خلال تشكيله قوةً مسلّحةً خارج الدولة مهما كانت الحجج والمبرّرات”.
ولفت إلى أن “سلاح حزب الله يمسّ جوهر التعايش اللّبنانيّ، وجوهر مفهوم الدولة وليس هناك أيّ منطقٍ يقبل بمعادلة قيام دولةٍ الى جانب الدولة، ولا يمكن التعايش بينهما. فلْنتْركْ للدولة حصرية السلاح حسب القوانين والدستور ولا نعبثْ بمستقبل وطننا خدْمةً لمشاريع إقليميّةٍ لا طائل منْها”.
وتوجّه لـ”حزب الله بالقول: “إنّ سلاحك لا يحمي الطائفة الشيعية، كما أنّ أيّ سلاحٍ لا يحمي طائفةً في لبنان. وإنْ كان هناك من حمايةٍ فهْي حتماً في كنْف الدولة الفعليّة العادلة القادرة. فالضمانات من مسؤوليّتها، وطمْأنة بعضنا البعضْ من مسؤوليتنا جميعاً. إنّ ما نريده ونعمل من أجله هو الغد لنا جميعاً كلبنانيين، فقدْ آن الأوان أنْ نخرج معاً من الماضي لكي نبني المستقبل بناءً يجسّد طموحات كلّ مكوّنٍ منّا بعيدا عن منطق الهواجس الظرفيّة او الوجودية. إنّ ملاقاة بعضنا البعض في الوطن من شأنها تبديد كلّ المخاوف وإسقاط كلّ الرهانات الخارجية من أيّ جهةٍ أتتْ. إنّ أوّل خطوةٍ غايةً في الإلحاح في الوقت الحاضر هي انتخاب رئيسٍ للجمهورية”.
واعتبر جعجع أنّ “انتخاب رئيس الجمهورية يجبْ ألّا يكون موضع مساومةٍ أو تلاعب بلْ يجبْ أنْ يبقى مستنداً الى قواعد دستوريةٍ واضحة لا لبْس فيها ولا تخضع لأيّ اجتهاد. وعلى الرئيس نبيه بري أنْ يدعو وكما نصّ الدستور إلى جلسة انتخابٍ مفتوحةٍ بدوراتٍ متتاليةٍ حتى التوصّل إلى انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة. ولْيفزْ منْ يفزْ ويلْقى التهنئة والمباركة من الجميع بدلاً منْ أنْ نظلّ في دوّامة التعطيل والدعوات العقيمة إلى حوارٍ، جرى ويجري كلّ يومٍ ومنْ دون أنْ يؤدّي إلى أيّ نتيجة. على الرئيس بري أنْ يفكّر ويتصرّف من موقعه الدستوريّ المسؤول كرئيسٍ لمجلس النواب وليس منْ موقعه السياسيّ كطرفٍ وحليفٍ لحزبٍ لديه حساباتٌ ابعد منْ رئاسة الجمهوريّة وأبْعد منْ لبنان حتّى”.
وأوضح أننا “لنْ نقبل وتحت ايّ ظرفٍ من الظروف بأنْ يفْرض فريقٌ لبنانيٌّ موقفه ومرشّحه على كلّ الآخرين، وأنْ يضع يده على رئاسة الجمهوريّة وأنْ يمْعن في التّعطيل والتزوير. ألطريق إلى قصر بعبدا لا تمرّ في حارة حريك، والدخول إلى قصر بعبدا لا يكون من بوابة عين التينة ووفْق شروطها وحوارها المفْتعلْ. الطريق الى قصر بعبدا تمرّ فقطْ في ساحة النّجمة ومنْ خلال صندوق الاقتراع. إنّ مسألة رئاسة الجمهوريّة تعني جميع اللبنانيين والمسيحيين منْهم بشكلٍ خاص عملاً بقواعد النّظام. ولا يمكن لأيّ فريقٍ مهْما جبر وتجبّر ورفع الصوت وتوعّد أنْ يحتكر ويتحكّم وينسف التوازنات والشراكة الوطنيّة ويبتدع سوابق ويستحدث اعرافاً تصبح اقوى من الدستور وفروعاً تصبح هي الأصل والأساس”.
وتابع: “يشترطون حواراً لانتخاب رئيس الجمهوريّة ويرفضون حواراً لإنقاذ الوطن من براثن الحرب وإخراجه من النّفق المظلم الذي نحن فيه، عندما يعجزون عن فرض مرشّحهمْ والرئيس الذي يريدون، “لو كان عندن 65 صوتاً لكانوا عقدوا جلسة”، يطرحون الحوار للتّحايل على الواقع وليحقّقوا عن طريقه ما لمْ يستطيعوا تحقيقه عن طريق القواعد والآليّات الدستوريّة والديمقراطيّة، وعندما يريدون التفرّد بقرار الحرب وسوْق لبنان واللبنانيين إلى اتون حربٍ لا قدرة ولا طاقة لهمْ عليها، يرفضون الحوار ويتجاهلون الدعوات النيابيّة الملحّة والمحقّة لمناقشة الحكومة في مجلس النواب حول الحرب. هنا يحضرني قول سماحة الإمام المغيّب ألسيّد موسى الصدر:” أنا لا أنْكر وجود ظالمٍ ومظلومٍ. ولكنْ لا نريد أنْ نحوّل المظلوم الى ظالمٍ، والظالم الى مظلومْ”.
وخلص جعجع إلى أنه “عندما يتحكّم اللامنطق واللاشراكة واللامساواة بالعمل السياسي في لبنان، وعندما يتمّ كلّ يومٍ الدوْس على الدستور وضرْب عرض الحائط بالقوانين والأعراف، تكون النتيجة كما نعيشها اليوم: تحلّلٌ شبْه تامٍ للدولة، وطنٌ مستباحٌ، مواطنٌ متروكٌ لمصيره. وهذا ما لنْ نقبل باستمراره على الإطلاق”.
ودعا جعجع “اللبنانيين المخلصين، وهمْ كثرٌ، الى المشاركة جميعنا في خارطة طريقٍ لوقْف الدوران في هذه الحلقة الجهنّمية، والخروج منْها الى حلقة بناء وطنٍ فعليٍ بدولةٍ فعليّة. إنّ أوّل خطوةٍ على هذا الطريق هي تضافر كلّ النوايا الحسنة الموجودة في المجلس النيابيّ والذّهاب، غداً، وبحكْم المسؤوليّة التي حمّلها الدستور للنّواب بالذّات في هذا المجال، ألذّهاب الى المجلس النيابيّ وانتخاب رئيسٍ جديدٍ للبلاد”.
وختم جعجع كلمته بالقول: “شهداؤنا الأبرار، رفيقاتي رفاقي، ايّها اللبنانيون، مهما يكنْ منْ أمْرٍ، فأنا كلّي إيمانٌ، لا بلْ أبْعد من الإيمان بعد، بأنّه، وفي نهاية المطاف، لنْ تكون إلاّ مشيئته، وكما في السّماء كذلك على الأرض. هذا ليس مجرّد دعاءٍ، بلْ عهدٌ قطعه أسلافنا وأجدادنا وآباؤنا على أنفسهمْ، ونحن فيه ملتزمون، مستمرّون. ألغد لنا، لا نهاب شيئاً ولا نخاف أحداً. وكلّما اشتدّت الصّعاب علينا، اشتدّتْ عزائمنا أكثر فأكْثرْ. وإن كان في الليلة الظلماء يفْتقد البدر، فنحن في الأيام السود، لا نفتقد الرجال ابداً، أبداً، أبداً. كنّا وسنبْقى رجالاً رجال. للآخرين اقول: راجعوا حساباتكمْ، أدرسوا قدراتكمْ، قدراتكمْ أنتم الفعْليّة، واقرأوا التاريخ… بوجْه أيّ تهديدٍ، بوجه أيّ محاولة إخْضاعٍ، بوجْه أيّ محاولة سيْطرةٍ… سنرفض، سنتحدّى، سنقاوم… وسنبقى. لمّا كان الأمر الواقع والإرادة الدولية أنْ نرضخ للاحتلال الأسديّ السوريّ، وأغْمض العالم بأسْره أعينه عن اضطهادنا، رفضْنا ورفضْنا ورفضْنا، تحدّيْنا وقاومْنا وبقينا رافعين رأسنا أحراراً، وبقينا، سوف نبقى، ومن الموطن الصغير نرود الأرض، نذْري في كلّ شطٍّ قرانا، نتحدّى الدّنيا شعوباً وأمصاراً، ونبني أنّا شئْنا لبنانا، فاصْمدْ، لبنان ما بك وهْن، سوف نبقى، لا بدّ في الأرض منْ حقٍّ، وما منْ حّقٍّ ولمْ نبق نحن!”.
وقد تليت في القداس الذي خدمته فرقة “وتر” بقيادة المايسترو فادي نحاس خمس نوايا، قدّمت الأولى للكنيسة وتلاها منسق الحزب في البترون بول حرب، حيث قال: “من المقاوم الأول يوحنا مارون، إلى بطاركة ومطارنة أبطال كتبوا التاريخ بإيمانهم وعلمهم أو بدمائهم ونضالهم، إلى أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وكل بطاركة ورعاة كنائسنا الغنية بتراثها وطقوسها… مسيرة طويلة حافلة بالصمود والتشبث بالحرية والإيمان، “لعبادة الله على طريقتنا” كما كان يردد البطريرك صفير الله يرحمه. يا رب، كنيستك بكل فروعها وأغصانها، هي أمنا وملجأنا، احفظها لنا حضن الأمان، لتبقى الأمينة على نضالنا كما هي مؤتمنة على تراث الأبرار والقديسين، ولنبقى في ظلها أبناء الرجاء والقيامة. إليك يا رب نصلي”.
أما النيّة الثانية فقد قدّمت للبنان وتلتها غنوى غريب، وقالت: “ لبنان الوطن والدولة ليس بخير، ولا يزال يعاني على صليب المصالح الدولية والمحاور الإقليمية وهيمنة الباطل على الحق. لبنان الميثاق والمساواة، لبنان الأمن والحرية لكل طوائفه ومكوناته، صار في خطر وجودي، وقد آن الأوان ليتحرر من الفوضى والفساد والسلاح، ويتجدد بدولة الحق والقانون، كما يجدد روحك القدوس وجه الأرض. يا رب، لبنان الإنسان وديعة بين يديك، الإنسان الذي يموت كل يوم في حرب عبثية لغايات خارجية، حرب ليست حربه تدمر له ضيعته وبيته وجنى عمره الإنسان الذي يتعب ويشقى ليؤمن العيش الكريم لعائلته الإنسان الذي يبكي دموع الألم والأمل، ليمنع هجرة أولاده حتى يبقى لبنان ويستمر وقفاً لك، واحة محبة وحرية وسلام. إليك يا رب نصلي”.
بينما النيّة الثالثة، فقد قدّمت للقوات، حيث تلاها منسق القوات في بنت جبيل جوزيف سليمان، وقال: “ إذا أردت أن تلغي شعباً فعليك أن تقضي على ذاكرته التاريخية. البعض قالوا عنا شبيحة ودمى بأيدي المجرمين البعض وبكل سطحية حوّل قضيتنا إلى مسرحية ضحك وهزل وسخرية وعبثية. لهؤلاء نقول: لولا تضحيات هؤلاء الأبطال وصمودهم، لما كان هناك فن، ولا شعر، ولا مسرح، ولا حرية ولا سيادة، ولكان وطننا تحول إلى صحراء بكل ما للكلمة من معنى… لكن بفضل هؤلاء الشهداء، وبفضل رفاقهم الذين يكملون المسيرة، سيبقى وطننا عالي الجبين، ومسرحاً لكل ثقافة وحضارة وتقدم في هذا الشرق. إليك يا رب نصلي”.
النية الرابعة قدّمت للشهداء وتلتها ريتا اسحق، وقالت: “ يا رفاقي الشهداء، مع كل أيلول نراكم تعودون من جديد. بطلتكم البهية، بجبينكم الشامخ، بابتسامتكم الراضية وبإيمانكم الذي لا يتزعزع. أنتم لستم فقط ماضينا، أنتم حاضرنا ومستقبلنا. لا تقلقوا من النكران، سيدنا يسوع المسيح أنكر قبل صياح الديك لكنه غلب العالم وأنتم غلبتم الباطل. لا تقلقوا من النسيان، لقد تخطيتم الذاكرة، صرتم النبض والحياة، صرتم الحق والحقيقة، صرتم وجع الضمير أمام شهود الزور، صرتم نصاعة القضية أمام أصحاب القلوب السوداء. وعدنا لكم أننا لن نسمح لأحد أن يكتب السطر الأخير من بطولاتكم، على دربكم مستمرون وعلى العهد باقون… صلّوا لنا”.
أما النيّة الخامسة، فقدّمت لباسكال سليمان، وتلاها جو مايك حشاش، وقال: “ منذ خمسة أشهر تم اغتيال رفيقنا باسكال سليمان على يد غرباء وهو في طريقه إلى بيته وضيعتنا، باسكال جمع كل اللبنانيين باستشهاده، هو الذي كان يجمع الرفاق وأبناء منطقة جبيل بحماسه ومحبته، حتى اليوم، لم تتضح الحقيقة بعد. منذ تسعة أشهر غدروا بسليمان سركيس في ضيعته شكا أمام باب رزقه، ليسقط شهيد الإيمان في وطن التسامح والتنوع. يا رب، أبق عينك على باسكال رمز الشهامة والالتزام والوفاء للقضية، حتى تتحقق العدالة، عدالة السماء، ولكن أيضاً عدالة الأرض وحكم القضاء والقانون. يا رب، بارك بيمينك عريس شكا، رمز الشباب المتمسك بأرضه، وافتح له أبواب مجدك للشهيد الياس الحصروني رمز الصمود في قلب الخطر الداهم. إليك يا رب نصلي”.
كما تلا الرسالة بول عنداري، وقدّم القرابين: نايف ابي انطون، طوني رزقالله، مارون سعد ونخلة عبود.
وفي باحة المقر العام رفعت صور للرئيس الشهيد بشير الجميّل والشهداء: سركيس سليمان، باسكال سليمان والياس الحصروني، وشاركت شركة “ice” في تنظيم القداس، الذي اخرجه الى مارون أبي راشد.
وكان قد استهل الاحتفال وقبل بدء القداس، باستعراض لكشافة الحريّة.