في إطار نشاطات منتدى الحكم الرشيد، نظّم مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد في جامعة القديس يوسف، بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور وبحضور وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي، مؤتمراً بعنوان “الانتخابات معبر إلى التغيير والحكم الرشيد”. تخلّل المؤتمر جلستين، الأولى بعنوان “الانتخابات النيابية فعل ديمقراطي لإحداث التغيير واقامة الحكم الرشيد” والثانية بعنوان “الانتخابات البلدية وسيلة لتحقيق المشاركة والحكم الرشيد”.
خلال الجلسة الافتتاحية، ألقى مدير مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد في جامعة القديس يوسف البروفسور باسكال مونان كلمة قال فيها: “في اختصار عشنا الكثير في لبنان: الأبيض والأسود، الجيّد والسيء، منارة الشرق ومزبلة الشرق. وها نحن اليوم امام مفترق طرق مفصلّي ننتظر منه ان يحدّد لنا المستقبل لعقود آتية. لا مغالاة في القول ان الإنتخابات المنتظرة بشقّيها النيابي والبلدي الإختياري هي الإنتخابات الأهم منذ عقود طويلة، والبعض يقول منذ قيام لبنان. هي كذلك لأن لبنان يعيش ازمةً وجوديّة، واللبنانيون مدعوّون ليختاروا اي لبنان يريدون؟ لا بل هل يريدون لبنان؟ لبنان الديموقراطي القابل للحياة، الذي يفكّر ابناؤه بالبقاء فيه، لبنان حيث الدولة هي المرجع لا سلطة فوق سلطتها”.
وتابع: “وهنا اطرح السؤال الذي يطرحه اللبنانيون: هل الشروط المطلوبة لإحداث التغيير المطلوب متوفّرة قبل اشهر قليلة على موعد الانتخابات؟ هل يمكن ان تحمل الانتخابات قوى التغيير المتمثّلة بالمجتمع المدني والنخب الفكريّة؟ الى ايّ حد ّ يسمح قانون الإنتخاب الحالي بالتغيير؟”
من جهته ألقى مدير مؤسسة كونراد أديناور مايكل باور كلمة قال فيها: “الديمقراطية تعني المشاركة السياسية أي أن كل مواطن محكوم، يحترم قوانين ويطبّق سياسات البلد يجب أن يكون له دور في صياغة هذه القوانين والسياسات. والطريقة الأفضل لتحقيق هذه المشاركة هي الانتخابات التي تعتبر أساسية لإضفاء الشرعية ولمحاسبة صنّاع القرار السياسيين إن اقتضى الأمر بهدف الاختيار بين برامج سياسية بديلة”.
وختم قائلاً: “لنعمل سوياً من أجل أن تكون الانتخابات القادمة معبراً حقيقياً للتغيير الذي يحتاجه البلد بشدّة والذي يستحقّه اللبنانيون”.
أما رئيس جامعة القديس يوسف في بيروت الأب البروفسور سليم دكاش، فأشار في كلمته إلى أنه ” يتم اليوم التزاوج بين رسالة الجامعة في البحث العلمي والموضوعي والتزامها بقضايا الوطن والمواطنين، والانتخابات هي موضوع أساسي من المواضيع الوطنية الدقيقة التي ينبغي البحث فيها. والجامعة هي المكان الأنسب وبالتالي تتيح للمحاضر والمساهم في الإدلاء به وأن يدفع بأفكارٍ لها من القوة بحيث تساهم في إقامة انتخابات نيابية أو بلدية بشكلٍ مفيد”.
وتابع: “إن أردنا أن نمارس الديمقراطية الصحيحة هناك بعض التغيير الذي لا بدّ منه لا بعد الانتخابات بل قبل الانتخابات وفي أثنائها. أملنا أن تكون الانتخابات المقبلة مناسبة نتحرر فيها من الفساد لا أن تكون مناسبات تقودنا إلى المزيد من الفساد والانهيار. فلبنان يستحقنا عندما نعمل من أجله وبالتالي نستحقه إن عملنا على التحرر وبناء معطيات الحكم الرشيد”.
وختاماً للجلسة الافتتاحية، ألقى معالي وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام المولوي، كلمة قال فيها: “تؤمّن الانتخابات النيابية الشفافة عبوراً ديمقراطياً إلى التغيير وإلى تدعيم أسس الحكم الرشيد وقد التزمت الحكومة اللبنانية بالقيام بهذه الانتخابات في بيانها الوزاري. وإني أمامكم أؤكّد من جديد التزام وزارة الداخلية والبلديات الكامل بإجراء هذه الانتخابات وما إصدار الوزارة لقرار تشكيل لجان القيد إلا دليل على هذه النية”.
ودعا الوزير المنظمات والهيئات الدولية كما هيئات المجتمع المدني إلى ملاقاة وزارة الداخلية والبلديات في مواكبة ومراقبة العملية الانتخابية، تطميناً للمواطنين اللبنانيين الطامحين إلى التغيير والحكم الرشيد. ودعا أيضاً الجهات المانحة إلى مدّ اليد إلى الوزارة لتأمين بعض الحاجات اللوجستية غير الماسّة بسيادتنا الوطنية نظراً لصعوبة الأوضاع المالية والاقتصادية. ثمّ دعا جميع اللبنانيين في الداخل إلى “المشاركة الكثيفة في الانتخابات التي ستجري حتماً في الربيع القادم”.
بعد الجلسة الافتتاحية تكلّم في المحاضرة الافتتاحية الأب البروفسور صلاح أبو جودة عن إمكانية العبور إلى الدولة الحديثة في ظل الحالة الطائفية. ثم بدأت الجلسة الأولى التي أدارها مدير مرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد البروفسور باسكال مونان متناولةً محاور تناقش البيئة مع وزير البيئة ناصر ياسين، البعد السياسي في انتخابات العام 2022 مع النائب فؤاد مخزومي، قراءة قانونية في قانون الإنتخاب الحالي مع الأستاذ المحاضر في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف ومحامي الاستئناف الدكتور رزق زغيب والمعايير المطلوبة لانتخابات نيابية سليمة مع الأستاذ المحاضر في جامعة القديس يوسف والمحامي في نقابتي بيروت وباريس الدكتور أنطوان صفير.
أما الجلسة الثانية فأدارها الأستاذ الجامعي والاعلامي الدكتور شربل مارون وناقشت مظاهر المشاركة في العمل البلدي مع محافظ بيروت القاضي مروان عبود، دور البلديات في التنمية مع رئيس بلدية صيدا السيد محمد السعودي، اللامركزية الإدارية والتعاون اللامركزي من اجل تعزيز المؤسسة البلدية مع رئيس جمعية المدن المتحدة في لبنان ومدير المكتب التقني للبلديات اللبنانية الدكتور بشير عضيمي، البعد السياسي والتنموي في الانتخابات البلدية، قراءة في تجربة بلدية جبيل مع الاستشارية في المشاريع التنموية والعضو السابق في مجلس بلدية جبيل السيدة نجوى باسيل بييتون، وتحديث قانون البلديات مع ممثل ومدير المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية في لبنان الدكتور أندره سليمان.
واختتم المؤتمر الوزير السابق الدكتور طارق متري الذي أعطى أربع ملاحظات عن النقاشات التي دارت خلال الجلستين. الملاحظة الأولى هي أن “نظامنا الانتخابي الحالي لا يساعدنا كثيراً على أن نأخذ قارارتنا السياسية كمواطنين أفراد”. الملاحظة الثانية تتعلّق بفرص التغيير فيقول متري إن “ما يهمّ في الانتخابات هو الانتقال إلى الديمقراطية، فالانتخابات أداة وصندوق الاقتراع تم تقديسه بوصفه الفيصل بالخلافات بين الناس ولكنه في النهاية إحدى أدوات الديمقراطية. لا مستقبل للديمقراطية بانتخابات أو بدونها من دون الفصل الحقيقي بين السلطة والدولة”. الملاحظة الثالثة هي “أننا ذاهبون إلى انتخابات بنظام لن يسمح بالضرورة بإنتاج نخب جديدة لأنه يعيدنا إلى أصولنا وطوائفنا ويدفعنا باتجاه خيارات تقليدية”. أما الملاحظة الأخيرة فلخّصها متري بالقول “قد تسهم الانتخابات المقبلة بتجديد النخب، فوجوه القوى التغييرية لم تظهر بعد، لكن تجديد النخب ليس تجديداً للوجوه فقط بل هو تجديد للسياسة وكيفية ممارستها وحتى الآن لم تظهر لغة سياسية محددة تشدنا إلى المستقبل”.