بقلم: ذ. محمد بدران
حمدا لله على فضله وإحسانه، إذ مدّد لي في عمري وقوّى من عضدي وألهمني الصحة والعافية حتى أرى ابني المحبوب آخر العنقود “حارث” يتوفق في مساره التعليمي ويسلك مسلك العلم والتعلّم إسوة بباقي الإخوة والأخوات حاصلا على شهادة بكالوريوس مزدوج تجارة وتنمية مبتكر وموجّه بحزم نحو المستقبل بتعاون بين أرقى مدرستين بلجيكيتين للدراسات العليا بهدف تخريج أفواج جديدة من المدراء والمتخصصين بتعليم جيد وبنهج تربوي جد متطور بطريقة جماعية في (قانون الاقتصاد والإدارة) و( قانون التجارة والتنمية) ، خدمة للتجارة العادلة والتنمية المستدامة على الصعيد الدولي.
لم تكن صبيحة ذلك اليوم السابع من سبتمبر 2022 عادية كباقي الصباحات بقدر ما كانت مليئة بالآمال الجديدة والتوقعات وأنت يا ابني تدخل قاعة اللجنة لمناقشة أطروحتك بعنوان: “التغذية المستدامة في بلجيكا وكيفية إدخالها في تغييرعادات أكل البلجيكيين” بإشراف الدكتورة سيلين فرانسيس، وكانت ساعتنا حينها أصابها هوس التباطؤ والانحصار في ترقّب الشيء الجميل والخبر السارّ على صفيح من نار وصدق من قال ما أصعب الانتظار ، حتى أطل علينا خيالك وأنت تغادر باب القاعة رافع الهامة تسابق بشرى القرار ببسمتك المعهودة وفي عينيك بريق يشاع يوحي بمعدل تقدير حسن على الأطروحة بإستحسان وإقناع.
وقتها زدت إيقانا أنك بالفعل صرت شابّا تبدو واعدا ألمس في رؤاك تبصّرا وفي إقدامك تعقّلا ووطأتك مثِنة لا تهاب الارتياب، وإن كنت أخاف عليك من كل تيّارجارف وشفق مغري زائف يتصيّد الشباب. مبارك عليك أن اسْتَعْدَدْت بعد الخروج من نفق البداية خريِّجًا ولم تتقن بعد في الحياة إلا حيّزا ضيقا وجيزا.
اجعل من يدك قبضة كفاح ومن نفسك ومضة حماس وبين عينيك هدف واضح يملأ الأفاق لا تعتريه غيوم سحاب ولا تكتنفه كثل ضباب ولا يقف في وجهه سلاح، بالطبع السير شائك في العقبات وشاقّ والجهد المطلوب مضني فائق ومرّ المذاق والفوز في أي سباق يتطلب التصدي والتحدي وتحمّل المشاق، لعلّك تجد ضوء نهاية النفق لتكملة المسير إلى أي مكان وفي أي ظرف كان. والمستقرئ لسيكولوجية السعادة يعلم أن طعم النجاح في النفوس فوّاح لا يعادله إحساس ولا تصنفه أوصاف، يسعد ويطيب الأنفاس بعطر نسيم التبريك والأفراح فطوبى لكل الناجحين والعقبى لغير المحظوظين في نهاية المطاف.
كم هو جميل أن ترى يا بنيّ بأمّ العين أحلاما تتحقق وآفاقا تتفتح وضيقا يمزّق وأملا يشرق يسابق الأضواء وأنت واقف فوق منصة التشريف عشية يوم الأحد السادس عشر من شهر أكتوبر 2022 ترتدي عباءة التخرج والقبعة السوداء، تنتظر دورك على شرفة مجلس مدينة بروكسيل أجمل وأبهى ساحة في المعمور بلا استثناء، وتصطفّ ضمن أفواج الخريجين وتتوسط المتفوقين حتى آن الأوان ونودي على اسم الطالب حارث بدران. فامتطيتَ منصة التشريف بكل فخر واعتلاء حتى كادت الأرضية لا تسعك من شدة السعادة بهذا اللقاء الذي أفرح القلوب وأسعد النفوس، تتمايل رجلاك بين التواضع والإباء والخجل والاستقواء لتسلّم شهادة الباكلوريوس وتعَلّم أول درس من هذه الحياة المليئة بالدروس والذي مفاده أن للجدّ والكدّ مسالك وطقوس لم يطأها ويذق حلاوتها من لم يستفد من عثرة أو كبوة بعد فشل ذريع بالخصوص لأن النجاح يتطلب إصرار التحمّل والمعاناة والإنجاز المدروس.
ما أروع النجاح مقاما ، وما أعظم كنوز العلم قمما وهمما ، لمثل هذا يحقّ للمرء ساعة التتويج أن يملأ الجوّ تصفيقا وصراخا تشجيعا للفائز تهتزّ له أركان مدرّج الأباء إجلالا واحتراما، هكذا لمست يا ابني وقتها نموّ تلك الآمال الوردية وليدة شجون هذه الدنيا ، قد كافأتك عن سهر الليالي وعرق الجبين وصبر السنين بشرف التحصيل الثمين تمهيدا إن شاء الله للدرجات العليا.
أهنؤك يا ابني في الختام بتخرجك الذي أهديه إلى كل من أكنّ لهم الاحترام والوقار إلى معلميك الأبرار وإلى أمّك الفاضلة السعدية ناجح مربية الأجيال وابنة الأخيار، وإلى كل من حمل إسمي باعتزاز وافتخار بناتي الفاضلات الدكتورة كوثر بدران والدكتورة ضحى بدران وأبنائي الأبرار المهندس بدر بدران والأستاذ ياسين بدران وإلى بقية الأهل والأحباب والأصهار. راجين من السميع العليم أن يصلح أبناءنا وأبناء المسلمين ويوفقهم جميعا في الدارين إلى الصلاح والنجاح فيما كان وما نحن به وما سيكون.
فمبارك عليك التخرج والنجاح الموعود يا عطر العود ، يا نجم تلألأت إشراقته علينا مودة وبرّا لا يعرف حدود، وأشعلت بسمته ذلك الضياء المشهود الذي أنسى الأهل أرَق الليالي الساهرات والأزمات السود، التي نرجو من العزيز الودود أن ترحل عنا إلى الأبد ولن تعود.