تقدير استراتيجي لمركز الزيتونة يدرس خلفيات التراجع الإسرائيلي “المؤقت” عن الانقلاب القضائي واحتمالاته المستقبلية
شهدت الشهور الثلاثة الأولى لسنة 2023 أحداثاً إسرائيلية داخلية غير مسبوقة، من حيث تفاقم الاستقطاب الداخلي وتبادل الاتهامات، على خلفية شروع حكومة الاحتلال بتنفيذ تحركاتها القانونية والقضائية، الأمر الذي أدخل الساحة الإسرائيلية في حالة من الفوضى والمظاهرات العارمة، أحدثت شللاً واسعاً أصاب معظم المرافق الاقتصادية والنقابية. كما تسبب بضغوط دولية كبيرة على حكومة الاحتلال، لا سيّما من واشنطن لوقف ما وصفته المعارضة الإسرائيلية بـ”الانقلاب القضائي”، مما أجبر الحكومة على إعلان تجميد مخططها القانوني، بانتظار ما ستسفر عنه الطاولة المستديرة من التفاوض مع المعارضة، دون أن يحدث اختراق حقيقي بينهما، ما قد يجعل أواخر نيسان/ أبريل، بعد نهاية عطلة الأعياد اليهودية، موعداً لتجدد الاحتجاجات الداخلية، وربما بصورة أشدّ.
وفي ضوء هذه التطورات، أصدر مركز الزيتونة تقدير الاستراتيجي 132 “التراجع الإسرائيلي “المؤقت” عن الانقلاب القضائي: خلفياته واحتمالاته المستقبلية”، والذي يسلط الضوء على الأسباب الداخلية والخارجية لتراجع حكومة اليمين عن انقلابها القضائي، ويطرح تساؤلات إن كانت صفحته ستطوى بشكل نهائي أم أن التجميد هو خطوة تكتيكية مؤقتة بانتظار تغير الظروف أو تراجع حدة المعارضة، كما يطرح تساؤلات حول أسباب فشل الحكومة بتمرير مخططاتها على الرغم من امتلاكها شبكة أمان برلمانية قوية بجانب شخصية رئيسها ذات الخبرة والإمكانات العالية.
ويستعرض التقدير الخيارات المستقبلية التي يمكن أن تشهدها أزمة المخططات القانونية، وترجِّح إحداها، بالرغم من عدم وجود “بوليصة تأمين” لنجاح الائتلاف أو المعارضة بحسم خياراتهما بصورة كلية على حساب الطرف الآخر.
ففي السيناريو الأول توقع التقدير مواصلة المخطط القانوني، فالحكومة أرجأت تنفيذ برنامجها القانوني، وشرعت بمفاوضات مع المعارضة لمحاولة التوصل لمسافة وسطى بينهما، لكن التقدير السائد أن الحكومة تستعد للتقدم بخطّتها بأدوات أخرى، للالتفاف على التسوية التي قدمها هيرتزوج، والوصول لنفس النتيجة، وهي تقليص صلاحيات السلطة القضائية لصالح التنفيذية، وهنا يصبح من المتوقّع عودة المظاهرات من جديد، وبصورة أكثر زخماً وحدّة.
وفي السيناريو الثاني، توقع التقدير أن يتم إعادة تشكيل الحكومة. فقد أعادت التطورات الداخلية خلال الشهور الثلاث الماضية طرح ما يراها الإسرائيليون “الخطة ب”، المتمثلة بإقالة الحكومة الحالية، المشكّلة بقيادة الليكود من أحزاب اليمين الفاشي مثل: الصهيونية الدينية، وعظمة يهودية، وشاس، ويهود التوراة، واستبدالها بحكومة جديدة تتشكل من: الليكود، والمعسكر الوطني، وحزب العمل، ويوجد مستقبل، وإسرائيل بيتنا، لامتصاص غضب الشارع، وتهدئة التوتر مع واشنطن، التي أعلنت غير مرة رفضها للتشكيلة الحكومية الحالية، ولم تتردد بإعلان رفضها استقبال عدد من وزرائها، خصوصاً إيتمار بن جفير وسموتريتش.
أما السيناريو الثالث، فيقوم على إجراء انتخابات مبكرة. فقد عاشت الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية منذ 2019 حالة من عدم الاستقرار وسيولة الأحداث التي دفعتها لخوض خمس انتخابات مبكرة خلال أقل من أربعة أعوام، حتى وصلت الأمور لمنح نتنياهو فرصة تشكيل حكومته السادسة.
وطرح التقدير سؤالاً حول إمكانية اضطرار الإسرائيليين لخوض جولة انتخابات مبكرة سادسة للخروج من عنق الزجاجة، في حال فشل جهود الوساطة الداخلية والضغوط الخارجية، ورأى أن ما قد يدفع باتجاه هذا الخيار هو التغير المفاجئ في الموازين الانتخابية للكتل الحزبية الرئيسية وفقاً لاستطلاعات الرأي، التي أشارت إلى أن الليكود مُني بتراجع في شعبيته، فيما شهد المعسكر الوطني صعوداً لافتاً، قد يدفعه مع المعارضة للذهاب لهذا الخيار.
وأشار التقدير إلى صعوبة الخروج بسيناريو مرجح، في ظلّ الحالة الزئبقية التي تواجهها الحلبة الإسرائيلية، وتداخل العوامل الداخلية مع الخارجية، وكثرة اللاعبين، إلا أنه رجّح السيناريو الثاني وهو إعادة تشكيل الحكومة باعتباره الأقل كلفة، خصوصاً في ضوء ما يواجهه الاحتلال من مخاطر أمنية وتهديدات عسكرية، قد تدفعه لتسكين جبهتها الداخلية، والتفرغ لمواجهة التحديات الخارجية.
ورأى التقدير أن سيناريو إعادة تشكيل الحكومة له ما يعمه من العوامل، أولها أن الفروقات بين الليكود وباقي معسكر اليمين والمركز لا تكاد تذكر في الموضوعات السياسية العامة، وثانيها أن هذا المعسكر يخشى، إن بقي في المعارضة، أن يتمكن اليمين الفاشي الحاكم من تغيير وجه الدولة كلياً، وثالثها أن هذا الخيار يحظى بتأييد واشنطن التي يتحرك سفيرها في تل أبيب توم نايدس بين الفرقاء الإسرائيليين لإيجاد صيغة توافقية.
وأشار التقدير في المقابل، أن الطريق إلى مثل هذا السيناريو لن يكون سهلاً في ضوء مخاوف اليمين الحاكم من خسارة سلطته الحصرية، والتفريط بما يعدّها الفرصة التاريخية التي حظي بها في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وإمكانية أن يتسبب بانشقاق في صفوف الليكود، لا سيّما من عناصره الأكثر يمينية. كما أشار إلى أن هذا الخيار بحاجة الى ضمانات يبحث عنها نتنياهو، ولا يبدو أنه بوارد أن يتراجع عنها، وهو أن يضمن له الائتلاف القادم تبرئة ساحته من أي محاكمات تنتظره، وهو طلب لن يكون سهلاً تحقيقه لاعتبارات حزبية وقضائية.
وأوصى التقدير بمراقبة الخلافات الإسرائيلية الداخلية التي من شأنها كشف المزيد من العيوب البنيوية في دولة الاحتلال ذاتها، سعياً للاستفادة منها في تعزيز العمل الوطني وإنهاء الاحتلال. وأوصى بعدم منح الاحتلال الفرصة لتصدير أزمته الداخلية للخارج، لا سيّما على الساحة الفلسطينية، بنزع الذرائع منه، لأن ذلك قد يعيد لحمة الشارع الإسرائيلي الداخلي، بزعم مواجهته خطراً خارجياً.
وختم التقدير موصياً بوقف مسار التطبيع العربي الإسلامي لزيادة عزلة الاحتلال، في ظل ما يواجهه من عزلة خارجية عالمية متزايدة، وتفاقم مأزقه الداخلي، وفشل خياراته السياسية.