ها قد أطلّت الذكرى الثالثة لجريمة العصر، أو لربما نحتاج إلى توصيفٍ أكثر شدةً وقسوةً، حيث تعجز اللغة عن سوق المفردات التي يُمكن أن توفي هذا النظام الطائفي، ووليدته سلطة الفساد والمحسوبيات، ما يستحقان. هذه السلطة التي قتلت شعبها، ومنعت جلاء الحقيقة عن طريق منع التحقيق، لتجهيل الفاعل، وتمكين الجناة مرةً أخرى من الإفلات من العقاب.
سرقت السلطة الناس وجنى أعمارهم، وأهدرت مقدّرات البلد، وتعاملت مع أكبر عملية نهب منظّم عرفتها البشريّة خلال القرن الأخير، وكأن الأمر مّجرد قدرٍ وقع على اللبنانيين. ثم وقع انفجار مرفأ بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠، الذي دمّر أجزاء كبيرةً من العاصمة، وأدى إلى سقوط مئات الضحايا، فتمنعت هذه السلطة عن القيام بأبسط واجباتها في كشف الحقيقة تجسيداً لمنطق العدالة، وأصرت على الاستمرار في اعتماد نهج الإفلات من العقاب الذي اعتادت انتهاجه في كل الجرائم التي تنزل باللبنانيين وتكون تلك السلطة مسؤولةً عنها مباشرةً أو مواربةً، فتجاوزت كل أشكال السقوط الأخلاقي التي يُمكن تصوّرها، ولجأت إلى تطييف قضيةٍ إنسانيةٍ كبرى كقضيّة المرفأ، وكأن النيترات ميّز بين طائفة لبناني وآخر عندما حوّلهم إلى أشلاء!
كما وشكّلت مرجعيّات هذه السلطة الدينيّة والسياسيّة مظلّة حمايةٍ حالت دون مثول بعض المسؤولين أمام قاضي التحقيق في قضيّة المرفأ، حتى ولو كشهود، وهي بالمناسبة، نفس الحماية السياسيّة والدينيّة التي حمت الفاسدين، وضمنت خروجاً آمناً لرأس المنظومة المالي حاكم المصرف المركزي.
إننا في اللقاء العلماني، إذ نؤكد على وقوفنا إلى جانب ذوي مَن سقطوا في هذا الانفجار، وإلى جانب الجرحى، وأولئك الذين سيحملون جرحهم الجسدي أو النفسي ما داموا أحياء، وإلى جانب كلِّ صاحبِ حق، نؤكد كذلك على موقفنا الرافض لكل المسار الذي سلكته السلطة منذ وقوع الجريمة، وندعو كل نصيرٍ للحق والعدالة أن نجتمع على القيام بكل ما يلزم لفرض مسار حقوقي شفّاف لهذه القضية، يضمنه القضاء المستقل، ويحمي المطالبين بكشف الحقيقة، التي هي دائماً الغاية والهدف، بلا تطييفٍ أو توظيف بأي شكلٍ كان. كما وندعو اللبنانيين إلى المشاركة في تحرّكات ٤ آب، حيث أصبحت الحقيقة والعدالة في بلدنا كالحريّة، لا يُمكن تحصيلهما إلّا انتزاعاً.