الحوكمة الرشيدة ركيزة أساسية لتحقيق التنمية
في خضم العمل الذي يتم القيام به حالياً لتنفيذ برامج ورؤى الإصلاح الشامل السياسي والاقتصادي والإداري لا بد أن نلتفت الى ضرورة وأهمية الحوكمة الرشيدة ودورها في مساندة هذه الجهود وتمكينها من الوصول الى مبتغاها، وهذا ما يمكن اعتباره هدفاً وأداة في ذات الوقت.
فالحوكمة الرشيدة هي احدى أهداف الإصلاح وهي في نفس الوقت شرط لازم وأداة وركيزة أساسية يمكن من خلالها تحقيق الأهداف الكلية الأخرى وتعزيز الجهود التي تبذل للوصول الى الطموحات الوطنية المتمثلة في النهضة التنموية الشاملة التي تؤدي لرفع مستوى معيشة المواطنين وتحسين ظروف معيشتهم وتحسين الخدمات المقدمة لهم، عبر التأكد من أن استخدام الإمكانات المتاحة يتم وفق معايير الشفافية والكفاءة والأمانة والحيادية والنزاهة بعيداً عن أي شبهات بسوء الاستخدام المرتبط بضعف الإدارة وعدم قدرتها على اتخاذ القرارات المناسبة في التوقيت الملائم.
لا يقتصر مفهوم الحوكمة الرشيدة على القطاع العام والمؤسسات الحكومية فحسب بل يشمل أيضاً شركات القطاع الخاص والمؤسسات الاهلية والمدنية، فمن المهم أن تعمل مختلف الجهات الفاعلة ضمن الدولة في اطار من الكفاءة والفاعلية والشفافية والمنافسة التي تضمن تكافؤ الفرص والخضوع لسيادة القانون الذي يطبق على الجميع بعدالة، وهذا في المحصلة يساهم في بناء مؤسسات قوية قادرة على الاستجابة للاحتياجات التنموية التي ترتقي بالمجتمع وافراده وتساعدهم على تحقيق طموحاتهم وتعزيز مشاركتهم الفاعلة في جهود التنمية خاصة وان هذا يتم في سياق المساءلة الضامنة للحد من الفساد ومكافحته في مختلف قطاعات المجتمع وبما يسهم في تعزيز المشاركة والتكامل بينها وبالتالي إيجاد بيئة داعمة للإبداع ومحفزة على التطور ومساهمة في تحقيق الاستقرار الذي يتيح تقليص المخاطر ويساعد على التكيف مع مختلف المتغيرات.
في سياق ما تتطلبه الحوكمة الرشيدة من إصلاحات ومبادرات واليات لتعزيز المساءلة والشفافية والمشاركة في اتخاذ القرارات فهي تؤدي أيضاً الى المساهمة في تحسين قدرة المؤسسات العامة على توفير الخدمات الملائمة للمواطنين والمستجيبة لاحتياجاتهم الانية والمستقبلية وبما يساهم في استدامة تلبية هذه الاحتياجات في اطار من التوازن بين مختلف الأطراف، فالمؤسسات الراسخة والقادرة على توجيه امكانياتها لتحقيق الأولويات تستطيع عبر قراراتها المستندة الى الكفاءة والنزاهة والمسؤولية المجتمعية أن تحقق الأهداف وأن تضمن الاستدامة والجودة التي تلبي الاحتياجات بأقل التكاليف.
تحقيق معدلات نمو اقتصادي مستدامة وملبية للطموحات تستلزم كفاءة في إدارة الموارد وقدرة على توجيهها نحو الأولويات ورفع معدلات الاستثمار وهذا بدوره يتطلب تعزيز الثقة بين القطاعين العام والخاص والمواطنين عبر ترسيخ مبادئ سيادة القانون وتعزيز الشفافية والافصاح والمساءلة والرقابة وبناء شراكة حقيقية بين الجهات المعنية بالأنشطة الاقتصادية مع الحرص على الاستفادة من التجارب العالمية الرائدة والمنتجات التكنولوجية المتطورة، مع عدم اغفال الاهتمام بالجوانب الضامنة لاستدامة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما فيها الاستثمار في الموارد البشرية عبر الخدمات التعليمية والصحية وأنظمة الحماية الاجتماعية التي تدعم الفئات الضعيفة والمهمشة وغيرها من الأنشطة التي تحافظ على السلم المجتمعي وتلبي الاحتياجات الأساسية.
الحوكمة الرشيدة تؤدي دوراً محورياً وتشكل ركيزة أساسية لغايات تحقيق الأهداف التنموية بما فيها رفع معدلات النمو الاقتصادي وجذب وتحفيز مزيد من الاستثمارات ورفع مستوى معيشة المواطنين وتحسين الخدمات المقدمة لهم وتوليد مزيد من فرص العمل، أضف لذلك توفير الظروف الملائمة لإطلاق الطاقات وتمكين مختلف الافراد من المساهمة الفاعلة في نهضة وتطور المجتمع، وكما هو واضح فالدول التي اعتمدت مبادئ الحوكمة الرشيدة والشفافية والافصاح والمساءلة استطاعت ان تحقق النجاح في مختلف المجالات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية وأن تنهض بمستوى معيشة مواطنيها وأن تكسب ثقتهم في إجراءاتها ومؤسساتها وأن تمضي قدماً لتحقيق مزيد من الإنجازات.
بقلم وزير المالية. الاردني الأسبق د محمد أبو حمور