حذًر وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى من “أن نقع فريسةً لبرامج التيئيس التي تحضّنا على الهجرة لتمسي هذه الأرض لغيرنا، وتحديداً للنازحين الذي يروم الشرّ تثبيتهم ههنا عوضاً عن اللبنانيين، وتحديداً عن المسيحيين، تحقيقاً لجملة أهداف أهمّها القضاء على التنوّع الذي يمثّل النقيض المسقط أخلاقياً لعنصرية كيان الشر المزروع إلى الجنوب من حدودنا.”
واضاف:” علينا أن نكتب هذا السفر وأن نعزّزه بأن لا نقع أسرى وسوسات الضالّين والمضلّين، وأن نكون من الواعين المؤلّفةِ قلوبُهم والمنعقدة عزائمُهم على الاستمرار في العيش معاً، وعلى التمسّك بالآخر الشريك في هذا الوطن تمسّكاً لا فكاك منه، وعلى االفرح به فرحاً لا حدود له، لأن لبنان بهذا وحده ينجو ويعود فضاءً من لقاءٍ على قيم الحرية والخير والحقِّ والجمال.”
كلام الوزير المرتض جاء خلال رعايته وحضوره حفل تكريم شخصيات فكرية وأدبية وشعرية من أبناء بلدة رشميا –قضاء عاليه بحضور لفيف من الشخصيات والفعاليات السياسية ونواب المنطقة والادبية والثقافية والاجتماعية ورئيسة لجنة مهرجانات رشميا السيدة سلوى خطاب .ومما جاء في كلمة الوزير المرتضى ”
أيها الأحبّة،
السلام على رشميا التي أميَزُ ما فيها أنّها اسمٌ على مسمّى،
أرض الينابيع هي،
لا ينابيع الماء فقط كما هو المعنى في الآرامية والسريانية ،
بل ينابيع الفكر والثقافة والانفتاح، ومناهل الإباء والعزّة والقيم الإيمانية.
السلام عليها وهي التي ولَدت رجالاتٍ رجالات، من آل الخوري وآل السعد وغيرهم، أوفياءً لموروثها المزروع فيهم، انبروا لخدمةِ الإنسان في لبنان، على أوفى ما تكون عليه الخدمة، تربيةً وتوعيةً وتفقّهاً وإنتاجاً فكرياً وعملاً سياسياً وأداءً متميّزاً في الميادين كافةً المرتبطة بالشأن العام.
وأجمل ما في رشميا أيّها الاحبّة وشائج لا انفصام لعراها مع القيم والإيمان، فالسلام على ارواح الخوري صالح مبارك والأباتي عمانوئيل الرشماوي والمطران اغناطيوس مبارك الذي جاهد من اجل نشوء لبناننا الكبير، ورجاؤنا أن تبقى رشميا وكل لبنان بإذن الله أمينين على هذه الوشائج حافظين لها حتى آخر الزمان.”.
وعن رشميا وتميزها قال المرتضى :” أمّا فضل رشميا على الشأن العام أيّها الاحبّة فقد بدأ في الحقيقة قبل نشأة الكيان، وتجسّد برجالاتٍ أفذاذ كانت لهم بصمات واضحة في حياة هذا الوطن، نذكر منهم الشيخ غندور الأوّل مبارك الذي شارك في وضع أول دستور للموارنة يرعى شؤون طائفتهم، وكان النجم الساطع في “مجمع دير اللويزة” الشهير، وحبيب باشا السعد رئيس الجمهورية اللبنانية قبل الاستقلال، وبشارة خليل الخوري أول رئيس للجمهورية اللبنانية بعد الاستقلال، وغيرهم وبعدهم الكثير الكثير وصولاً إلى وقتنا الراهن.”.
واضاف :” أمّا الفكر والتوعية والإنفتاح فلرشميا معها تاريخٌ مجيدٌ مسجّل، يحكي لنا بأحرفٍ من نور عن إبداعات غندور الخوري التي أثمرت “عين ورقة”، وعن رجلٍ اسمه بشارة، آمن بأنّ كنه وجودِنا كلبنانيين، ومغزى بقائنا، يتمثّل في عيشِنا معاً، وأدرك أن هذا يفرض علينا معرفة بعضنا بعضًا، فانكبَّ على الدين الإسلامي يدرسه دراسة المتفقّه، سابراً أغواره حتى بلغ من الإحاطة فيه مبلغاً جعلته يتسنّم عن جدارةٍ مرتبة عالم دين ويكتسب عن استحقاقٍ لقب “الفقيه” الذي يمنح للمتقدّمين في العلم، فصار في عائلة الخوري المسيحية المارونية عالمٌ متفقّه في الدين الإسلامي، ولعلّه من أجمل ما في موروثنا اللبناني هو بشارة الخوري الفقيه الذي جسّد في شخصه وفكره، وعبّر في اسمه عن أعلى درجات الوعي الوطني والتلاحم اللبناني والوحدة المسيحية الإسلامية.
وتابع المرتضى :” أيّها الأحبّة، كأنّي بهذا الخوري-الفقيه يخاطب اللبنانيين حينذاك كما الآن: إيّاكم والشرذمة…. إيّاكم ورفض الآخر…. إيّاكم والخوف من الآخر…. إيّاكم والتنصّل من الآخر…. إيّاكم وعدم الإطمئنان الى الآخر…. إيّاكم وإهمال العمل على طمأنة للآخخر… إيّاكم والأنانية والإلغائية وجنوحات الانعزال… إيّاكم وكل ذلك…كأنّي به يخاطبنا هكذا ويضيف: انفتحوا أيها اللبنانيون بعضكم على بعض…إعملوا على أن تفهموا بعضكم بعضًا… أنا بقيت على مسيحيتي ولكن هذا ما منعني من أن أحمل في قلبي حبّاً للمسلم وللإسلام حتى التفقّه بل على العكس حثّني على ذلك ودفعني إليه دفعاً… إعلموا أيها اللبنانيون أنّي ما درست الإسلام لدواعي التزوّد العلمي فقط بل لكي أتعلم أن أحبّ المسلم وأرعاه وأحفظه، وهذا تفرضه عليّ مسيحيتي الحقّة المنفتحة المحبّة، ويفرضه أيضاً علمي بما يختزنه الإسلام من سماحةٍ وروحٍ متسمحنة، ويفرضه أخيراً إدراكي ووعيي لجوهر وحقيقة وكنه الانتماء إلى هذا الوطن العظيم.
نعم أيّها الاحبة إنَّ كنه هذا الوطن عيشٌ واحدٌ إسلامي مسيحي، والمسؤولية الوطنية تفرض على كل مسؤول أن يسلّم بهذا الأمر كثابتة عليا يقيس عليها كلّ مقارباته ومواقفه، لا سيّما بالنسبة لتحديّات واقعنا الراهن…. فإذا لم يفعل كان كالسائر في الصحراء على غير هدىً، مآله الضياع، وأخشى ما أخشاه أن لا يقتصر الضياع عليه وحده بل على المجموعة أيضاً وقل… على الوطن بشكل عام.”
أيّها الأحبّة يا أيّها المكرِّمون والمكرَّمون، ويا أبناء رشميا الأبرار الأوفياء لموروثوكم الوطني العظيم، أنتم الذين تعلمون أنّ لبنان أوّلاً وأخيراً وقبل كلّ شيءٍ وفوق كلّ شيء أرضٌ مقدّسةٌ أنعم الله بها على مكوّنات مؤمنة لجأت اليه لتقيم فيه وديدنها السعي إلى مرضاته…. وعلينا اليوم أكثر من الأمس أن نُثبت استحقاقنا لنعمة هذا الوطن العظيم وأن نرفع الشكر عليها، وأن نحفظها بأن نكتب جميعاً سِفْرًا آخر من أسفار الحرية والوطنية مضمونُه الالتصاقُ بالأرض حتى آخر رمقٍ يُراقُ على صخورِ جبلها وتراب سهلها وساحلها، فنرفض أن نقع فريسةً لبرامج التيئيس التي تحضّنا على الهجرة لتمسي هذه الأرض لغيرنا، وتحديداً للنازحين الذي يروم الشرّ تثبيتهم ههنا عوضاً عن اللبنانيين، وتحديداً عن المسيحيين، تحقيقاً لجملة أهداف أهمّها القضاء على التنوّع الذي يمثّل النقيض المسقط أخلاقياً لعنصرية كيان الشر المزروع إلى الجنوب من حدودنا، علينا أن نكتب هذا السفر وأن نعزّزه بأن لا نقع أسرى وسوسات الضالّين والمضلّين، وأن نكون من الواعين المؤلّفةِ قلوبُهم والمنعقدة عزائمُهم على الاستمرار في العيش معاً، وعلى التمسّك بالآخر الشريك في هذا الوطن تمسّكاً لا فكاك منه، وعلى الفرح به فرحاً لا حدود له، لأن لبنان بهذا وحده ينجو ويعود فضاءً من لقاءٍ على قيم الحرية والخير والحقِّ والجمال.”.
وتوجه بالشكر والتقديرُ الكبير للسيّدة سلوى ابي صابر خطّار على همّتها التي أثمرت هذه الفعالية البهيّة، والاحترام والتقدير لكلّ واحدٍ منكم أيها المكرّمون الأفاضل ونحن شهودٌ على أنكم تستحقوّن هذا التكريم على ما بذلتم وتبذلون من أجل خير هذا الوطن والإنسان فيه،
وختم وزير الثقافة كلامه :” دعاءٌ من القلب: أسبغ اللهم على رشميا وأهلها مزيداً من نعمك ورعايتك وبركاتك، وألهمنا أن نعمل ما تحبّه وترضاه، وأنت لا تحبُّ لنا إلاّ أن نلتقي ونتحاور فنخرج من ظلمات الخوف والتنابذ إلى أنوار اللقاء والتحابب والتعاون لما فيه خلاصُ وطننا الذي أنعمت به علينا…. اللهم آمين…
عشتم جميعاً وعاش لبنان.