بقلم: المحامي عمر زين*
غابَ عند الثَّرى أَحبّاء قلبي
فالثَّرى وَحْدَهُ الحبيبُ الخليلُ
لا تَسَلْها… فَلَنْ تُجِيبَ الطّلولُ
ألمغاويرُ مُثْخَنُ أَوْ قتيلُ
أَرْزُ لبنانَ أَيْكَةٌ في ذُرانا
والفُراتان ماؤنا والنِّيلُ
كلّ رَوْضٍ في الشَّرقِ مِنْ
دمِ آبائي مُنَدّى، مُعَطَّرٌ مطلولُ
(الشاعر بدوي الجبل)
تلك هي الثقافةُ القوميةُ العربيةُ التي كانت تَجْمَعُ جماهير أُمّتنا العربية المجيدة، من دمشقَ الى بغدادَ، مروراً بالجليل وبِيسانَ وغزّةَ والقاهرة انتهاءً بالرّباط ونواكشوط… تلك هي الثقافة التي تَطلّعت الى القائد الذي رَسَمَتْهُ في أحلامها وأشعارها، فَوَجدتْه في المارد البطل جمال عبد الناصر، قائد ثورة 23 يوليو الخالدة، وأوّل رئيس دستوري لجمهورية عربية متّحدة، يُنْتَخَبُ مباشرةً من الشعب العربي في مصر وفي سوريا، ورئيس الاتّحاد الإفريقي، وأبرز زعماء دول عدم الانحياز في العالم بأسْرِهِ….
قد يقول البعضُ، لماذا هذا الحبّ والوفاء لرجلٍ مَضَى الى عالم البقاء، ولم يَعٌدْ من الممكن ان يكون له دَوْرٌ في مسيرة الأمة العربية، بعد انقضاء عقودٍ من السّنين على غيابه؟؟؟
أمّا عن الحبّ والوفاء، فذلك أقَلُّ ما يُبادلُ به رَجُلٌ جَعَلَ من أُمّتنا، مِحْوَراً لأحداث العالم الجسيمة…
كان جمال عبد الناصر، بطل فلسطين ورايتها النّاطقة… وهَلْ عند العرب، بل عند شعوب الأرض، منْ رايةٍ وقضيةٍ أقدّس وأعظم من قضية فلسطين؟؟
تَحالَفتْ عليه عام 1956، بريطانيا وفرنسا وكيان الاحتلال… فكانت بور سعيد مقبرةً للغُزاة، ونُفِّذَ قرارُ تأميم قناة السويس حَتْفَ أنْفِ المُتضرّرين، وبَقي إمداد الثورة الجزائرية المجيدة بالسلاح والذخيرة بل ازدادَ كمّاً ونوْعاً…
قَصَفَتْ طائرات الغزو الثلاثي، إذاعةَ صوت العرب من القاهرة، فَصَدَحَ صوتُ العروبة من العاصمة السورية: صوت العرب من القاهرة، يُخاطبكم من هنا… من دمشق!!!
لم تَتَجَلَّ عناصر الوحدة بين العرب، كما تجلّتْ في معركة بور سعيد، رغْمَ أن فلسطين هي جوهر الصّراع وخلْفيّاته…
واستكمالا لهذه الحالة الثورية العارمة، فرَضَ الوعيُ القوميّ العربي على الرئيس جمال عبد الناصر، قيامَ دولةِ الوحدةِ، تلك الدولة المنشودة في أذْهان وأحلام أُمّةٍ، تكالَبَتْ عليها قوى الاستعمار من كلّ حَدْبٍ وصَوْب، ومَزّقَتْها كياناتٍ وأنظمةً متهالكةً.
كان جمال عبد الناصر، من خلال رئاسته لمصرَ الخالدة، رئيساً لدول الاتّحاد الإفريقي، وكان مُلْهِماً في فكْرِهِ وفي مواقفِهِ الثورية، للقائدين الإفريقيين الشهيرين: باتريس لومُمْبا ونلْسون مانديلاّ.
أمّا عن روابطِهِ الوثيقة ببطل الثورة الكوبية فيدل كاسترو، وبالمناضل الشهيد تشي غيفارا، فكانت المفتاح الذهبي الذي أقْفَلَ أبواب أميركا اللاتينية أمام طموحات ومخطّطات كيان الاحتلال الصهيوني!!
ومن الإنجازات التاريخية التي حَقَّقَها الرئيس جمال عبد الناصر، تلك الثُّنائيّات التي مَكَّنَتْهُ في القارة الآسيوية من حَشْد التأييد الأممي النّوعي للقضية التي قاتل ميدانياً من أجلها… فلسطين…
فمِنْ خلال مؤتمر – باندونغ – نَسَجَ عبد الناصر ثنائيةً مع زعيم الهند جواهر لال نهرو، وتمكّن بحكمتِهِ وبراعته ان يَنْسجَ أوثق العلاقات مع الصين الشعبية… هذا الالتفافُ العالميّ النّوعيّ حولَ قضية فلسطين، هو واحدٌ من ثمار النّضال الذي خاضَهُ البطل العربي جمال عبد الناصر!!
ويسألونك عن السِّرِّ في حُبِّ الملايين لهذا القائد التاريخي الذي لم يكنْ لِيتجاسَرَ احَدٌ في العالمين – قبل غيابِهِ – على الكلام عن التطبيع والترويض والأحلام الاقتصادية الفَلَكيّةِ المردود…
اخْتُمُ كلمتي، مُخاطباً الرئيس عبد الناصر، بقولي:
عَصِيٌّ على الموتِ أنتَ يا أبا خالد… أَلاَ تسمعُ أَنباءَ البطولات يُسَطّرها عُشّاقُك في الضفّة الغربية وفي القدس الشريف وفي قُرى وبلدات 1948؟؟؟
يَقيني أنك تأخذُ كلَّ من يرتقي شهيداً لأجل فلسطين، في أحضانك ترحيباً واعتزازاً وافتخاراً!!
ستبقى دائماً أيها الزعيم في ضمير أمّتك وكل أحرار العالم الى أبد الآبدين، ولن يؤثّر إزالة اسمك عن المؤسسات التي بنيتها لأنها ستدلّ دائماً عن إنجازاتك العظيمة وسيكون ذلك حافزاً للأجيال العربية كي تنهض بأمّتها.
عاشتْ فلسطين سيّدةً حرّةً أبيّة!!
المجدُ والخلود لذكرى بطل العروبة الخالد
الرئيس جمال عبد الناصر.