أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات تقدير موقف حول سيناريوهات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو من إعداد الدكتور عدنان أبو عامر، خبير الشؤون الإسرائيلية.
ويسعى التقدير لتحديد وجهة هذا العدوان، وأين سيصل، وهل سيشمل عملية برية، وكم عمقها الجغرافي، ومداها الزمني، وما هي الدلالات السياسية والعسكرية لهذا العدوان.
فقد شهد قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عدواناً إسرائيلياً واسعاً أسماه “السيوف الحديدية”، استهدف جباية ثمن باهظ من المقاومة الفلسطينية التي نفذت عملية “طوفان الأقصى” في مستوطنات غلاف غزة في اليوم ذاته، وقد طال العدوان مختلف مرافق الحياة في القطاع، وأدى لاستشهاد قرابة ألف شهيد وإصابة قرابة خمسة آلاف آخرين حتى الآن، ودمار هائل شمل عشرات الأبراج السكنية والمنشآت المدنية والجامعات والمدارس والمراكز الصحية، وسط دعم أمريكي غير مسبوق، مما يفسح المجال أمام عدوان قد يمتد وقتاً إضافياً عقب الشروع بتشكيل حكومة طوارئ إسرائيلية مهمتها إدارة الحرب على غزة.
وأمام هذه البداية العنيفة الدامية للعدوان، وفي أعقاب حصول الاحتلال على ضوء أخضر أمريكي، ودعم غربي، وصمت عربي، رأى التقدير أن الاحتلال سيواصل عدوانه على القطاع ما دام يشعر أنه يحقق نتائجه المرجوة، من وجهة نظره.
وأشار التقدير أن العملية البرية المتوقعة باتجاه غزة لا تبدو ذات وجه واحد فقط، بل يمكن أن يكون لها العديد من المستويات المحتملة، وتوقّع أن تُخضع الأوساط السياسية والعسكرية في تل أبيب كلاً منها لمزيد من التمحيص والتحليل، وإجراء موازنة في الكلفة والعائد والجدوى بينها، وأول تلك المستويات هو الاجتياح الكامل، والمقصود به الاحتلال الكامل للقطاع؛ أما الثاني فهو إقامة حزام أمني بمسافة كيلو متر واحد باتجاه حدود القطاع الشرقية؛ والمستوى الثالث تقطيع أوصال القطاع عبر تقسيمه إلى عدة أجزاء؛ والرابع هو التوغل الخاطف لعدة أيام ثم الانسحاب؛ والخامس والأخير هو تنفيذ عمليات الإنزال البحري.
ورجّح التقدير السيناريو المتجه نحو الدمج بينها، بحيث تبدأ العملية بتكثيف القصف باتجاه الحدود الشرقية للقطاع بغية تنظيف المناطق الأمامية للجيش قبيل التوغل، وفي حال شعر الاحتلال بقدرته على التقدم بالتزامن مع تنفيذه لسياسة الأرض المحروقة فقد يسعى للحصول على صورة يقدمها للرأي العام الإسرائيلي في مناطق معينة على مشارف غزة. وفي حال شعر الاحتلال أن السقف الزمني بقي قائماً، وخسائره البشرية محدودة، فقد يواصل عدوانه لجباية المزيد من الأثمان البشرية، وهذه المرة في صفوف قيادات المقاومة السياسية والعسكرية، بالإضافة إلى استنزاف ما لديها من قدرات صاروخية، بحيث يصل معها إلى ما هدد به الاحتلال من حالة لا تعود تشكل فيها تهديداً حقيقياً عليه.
وأشار الباحث أن المقاومة، التي تبدو متحضّرة لهذا السيناريو، قد تكون أعدّت مفاجآت غير سارة للاحتلال، مما قد يجعلها قادرة على التكيّف مع أي من السيناريوهات المعروضة أعلاه، ولكن الكلفة البشرية الباهظة من المدنيين، وحالات النزوح الجماعي لمختلف سكان القطاع، قد يشكّل على قيادتها عبئاً قاسياً، لا أحد يعلم كيف ستتعامل معه.
وخلص التقدير إلى ضرورة إسعاف قطاع غزة بما يحتاجه من معدات طبية وإنسانية عاجلة، والعمل من خلال القنوات الديبلوماسية لاستصدار مواقف دولية وعربية تحاول كبح جماح الاحتلال عن المضيّ قدماً في مخططاته الدامية ضد القطاع، ووقف استهداف المدنيين، وعدم منحه السقف الزمني الذي يحتاجه لاستكمالها. كما أوصى التقدير بالسعي للتنسيق والتشبيك مع المؤسسات الدولية المؤثرة للضغط على الولايات المتحدة لوقف دعمها للاحتلال في عدوانه الجاري. ودعا التقدير لاستنهاض الجبهات المجاورة لقطاع غزة للانخراط في المواجهة الدائرة مما يخفف عنه حالة الاستباحة التي يقوم بها الاحتلال.