الإثنين, يناير 13

التناقض بين الممارسات الدينية والسلوك الإجرامي: ظاهرة معقدة تستدعي التأمل

بقلم الفقير نادي عاطف

تُعد ظاهرة الجمع بين الالتزام الظاهري بالتعاليم الدينية وارتكاب السلوكيات الإجرامية من أعقد الظواهر الإنسانية، إذ كيف يمكن لإنسان أن يقف في محراب العبادة، ثم يمارس أفعالًا تناقض جوهر ما يدعو إليه الدين من عدل ورحمة؟ أليس الدين في جوهره دعوة للسمو الأخلاقي والتزكية الروحية؟ لفهم هذا التناقض، لا بد من الغوص في أعماق النفس البشرية والتأثيرات المجتمعية والثقافية التي تُغذي مثل هذه الازدواجية.

الأسباب المحتملة لهذا التناقض

  1. الفهم المشوّه للدين

من أخطر الأسباب التي قد تدفع شخصًا إلى ارتكاب جرائم تحت مظلة الدين هو إساءة فهم النصوص الدينية أو تفسيرها بشكل مجتزأ وانتقائي. فكثيرًا ما يُوظف الدين كأداة لتبرير العنف أو تحقيق مصالح شخصية وسياسية، بينما تغيب القيم الأخلاقية الجوهرية التي تمثل رسالة الدين الحقيقية.

  1. الانفصال بين الطقوس والقيم

البعض يكتفي بأداء الطقوس الدينية مثل الصلاة والصيام والحج، معتبرًا أن هذه الممارسات الشكلية كافية لتبرئة الذمة، بينما يتجاهل القيم الأساسية للدين كالأمانة والرحمة والعدل. إن ممارسة الطقوس دون روح أخلاقية تجعل الدين مجرد قشرة ظاهرية فارغة من معناه الحقيقي.

  1. الازدواجية الأخلاقية والشعور بالذنب

قد يكون السلوك الإجرامي انعكاسًا لازدواجية يعيشها الفرد بين قناعاته الداخلية وسلوكياته العملية. فالإنسان الذي يدرك تناقض أفعاله مع مبادئ دينه، قد يلجأ إلى تبريرات دينية زائفة لتخفيف الشعور بالذنب، مما يخلق حلقة مفرغة من التناقض والاضطراب النفسي.

  1. تأثير البيئة والمجتمع

البيئة التي ينشأ فيها الفرد تلعب دورًا محوريًا في تشكيل وعيه الديني. ففي بعض المجتمعات، تُغلّف العادات والتقاليد بغلاف ديني زائف، يبرر الظلم والعنف وحتى الجرائم، مما يؤدي إلى غرس مفاهيم خاطئة في الأفراد منذ الصغر. كما أن استغلال الدين لأغراض سياسية قد يسهم في تضليل الأفراد ودفعهم لارتكاب أفعال تتناقض مع القيم الدينية الحقيقية.

شواهد من التاريخ والواقع

استخدمت بعض الجماعات المتطرفة الدين كستار لتبرير أعمال إرهابية، مما أدى إلى تشويه صورة الدين عالميًا.

شهد التاريخ جرائم مروعة ارتكبها أفراد أرفقوا أفعالهم بعبارات دينية، في محاولة بائسة لإضفاء الشرعية على سلوكياتهم المنحرفة.

كيف نتصدى لهذه الظاهرة؟

لمعالجة هذا التناقض الخطير، لا بد من اتخاذ خطوات عملية جادة:

– تصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة

ينبغي نشر فهم عميق ومتوازن للنصوص الدينية يركز على القيم الأخلاقية والإنسانية، مع التصدي بوعي للتفسيرات الانتقائية التي تبرر العنف أو الإجرام.

– تربية أخلاقية متكاملة

الدين ليس مجرد طقوس، بل منظومة قيمية متكاملة. لذا، يجب أن تركز التربية الدينية على ترسيخ القيم الإنسانية مثل العدل، والرحمة، والصدق، جنبًا إلى جنب مع التعليم الديني التقليدي.

– الرقابة المجتمعية الواعية

المجتمع الواعي يلعب دورًا مهمًا في محاربة الفكر المتطرف والتفسيرات المغلوطة للدين. يمكن تحقيق ذلك من خلال فتح باب الحوار الديني العقلاني وتشجيع التفكير النقدي البنّاء.

 جوهر الدين أسمى من الانحرافات البشرية

الدين في أصله دعوة للخير والرحمة، وتزكية للروح البشرية، وليس أداة تبرير للظلم والعدوان. إن أي انحراف عن هذه المبادئ السامية هو خروج عن جوهر الدين، مهما كانت المبررات الظاهرية. إن معالجة هذه الظاهرة تبدأ من تصحيح الفهم، ونشر الوعي، وتعزيز الأخلاق، حتى يستعيد الدين مكانته الحقيقية كمنارة للعدل والمحبة والرحمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *