الاحتياطيات الأجنبية ومواجهة الازمات …
بقلم وزير المالية الاردني الأسبق د محمد أبو حمور….
في ظل الظروف الراهنة وما تفرضه من تحديات سياسية واقتصادية تبدو الحاجة ملحة لتحصين الاقتصاد الوطني وتعزيز قدرته على مواجهة أي انعكاسات سلبية آنية أو مستقبلية، وفي هذا السياق يبرز دور الاحتياطيات الأجنبية كإحدى الأدوات الفعالة لتعزيز الاستقرار المالي والنقدي وتمتين الثقة بالأداء الاقتصادي وبث الطمأنينة بحصافة السياسات الاقتصادية وقدرتها على التأقلم مع الظروف الطارئة وما قد يتبعها من تداعيات.
ولا شك بأن الاحتفاظ باحتياطيات مناسبة من العملات الأجنبية يعزز التصنيف الائتماني للدولة ويتيح لها الوصول الى مصادر تمويل بأسعار فوائد معتدلة، باعتبار أن هذه الاحتياطيات تعد مؤشراً هاما ًيشير الى قدرة الدولة أو المؤسسات ذات العلاقة على تحمل الالتزامات والأعباء الناجمة عن الديون الخارجية وسدادها في مواعيدها.
هذا بالإضافة الى الحفاظ على سعر صرف العملة المحلية والحفاظ على قدرتها الشرائية مما يساهم في تقليص نسب التضخم ويحافظ على الظروف المعيشية للمواطنين ويعزز أداء الجهاز المصرفي والمؤسسات التمويلية مما يساهم في توفير بيئة اقتصادية مستقرة، وبذلك تعزز الثقة بالسياسات النقدية ويتقلص الأثر المتوقع للصدمات الخارجية أو الازمات الطارئة وتزيد جاذبية الاقتصاد الوطني وقدرته على تلبية احتياجاته من المستوردات، كما أن رصيد الاحتياطيات الأجنبية المريح في البنك المركزي يعطي المستثمرين الأجانب والمحليين شعورا بالثقة والأمان.
يحتفظ البنك المركزي الأردني بمستوى مريح من الاحتياطيات الأجنبية تزيد عن 17.2 مليار دولار وهذا يغطي مستوردات المملكة لمدة تعادل حوالي ستة أشهر ونصف، أي ما يزيد عن المعيار الدولي المتعارف عليه والبالغ ثلاثة أشهر.
ومما يزيد الثقة باستدامة هذا المستوى من الاحتياطيات الأجنبية المؤشرات الإيجابية للصادرات الأردنية خلال العام الحالي، وارتفاع إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة الى المملكة خلال النصف الأول من العام الحالي حوالي 776 مليون دولار، بارتفاع نسبته 20.9% عن مستواها في الفترة المقابلة من العام السابق، كما أرتفع الدخل السياحي خلال الاحد عشر شهراً الأولى من هذا العام بنسبة تزيد عن 30% ليبلغ حوالي 6.9 مليار دولار، وشهدت حوالات العاملين ارتفاعا بنسبة 1.1% خلال الشهور العشرة الأولى من هذا العام لتبلغ حوالي 2.9 مليار دولار.
يضاف لذلك توصل المملكة لاتفاق مع صندوق النقد الدولي حول برنامج الإصلاح الاقتصادي والذي سيبدأ العمل به مطلع اذار من العام القادم سوف يتيح للمملكة الوصول الى مصادر التمويل الدولية بما فيها القروض والمنح بكلف معتدلة.
وبالرغم من المؤشرات الإيجابية الا ان ذلك لا يقلل من أهمية تعزيز شبكة الأمان المالي ومواصلة الإدارة الحصيفة للاحتياطيات الأجنبية مع المحافظة على سلامتها وتنميتها وفق ما تتطلبه الظروف والتداعيات المختلفة.
وبهذا الخصوص لا بد من الإشارة الى مجمل السياسات الاقتصادية التي تعمل بشكل مباشر أو غير مباشر على تنمية الاحتياطيات الأجنبية والحفاظ عليها في مستوى مريح بما في ذلك السياسات المالية ومنها سياسات الدين العام وما يبذل من جهود لزيادة حصة المنتجات المحلية في الأسواق ولتشجيع الصادرات ورفع مستوى تنافسيتها وتحسين البيئة الاستثمارية بما يعزز الاستثمار المحلي ويجذب الاستثمار الخارجي، وكذلك بذل مزيد من الجهود لتشجيع السياحة التي يخشى أن تشهد تراجعاً بسبب الظروف الإقليمية والعدوان المتواصل على قطاع غزة، ومواصلة العمل لتحقيق أهداف رؤية التحديث الاقتصادي بالشراكة والتعاون بين مختلف القطاعات.
الاقتصاد الأردني قادر على تجاوز ما قد يترتب على الظروف الإقليمية الطارئة من صعوبات وتحديات، والأردن لديه الخبرة والقدرة على التعامل مع الازمات ومواصلة تحقيق الإنجازات في الظروف الصعبة وادامة عجلة الاقتصاد بالاستناد الى حكمة قيادته وحيوية اقتصاده وحصافة السياسة النقدية والقدرة على اجتراح الحلول والأفكار الخلاقة التي تحول التحديات الى فرص.