سعيد عقل في العاشرة على غيابه
تحوَّل استذكارُ سعيد عقل حدَثًا أَدبيًّا وموسيقيًّا في الذكرى العاشرة لغيابه (2014-2024) كما نظَّمُه “مركز التراث اللبناني” في الجامعة اللبنانية الأَميركية LAU، بمؤْتمر من ثلاث جلسات أَدبية وأُمسية موسيقية وغنائية في حَرَم الجامعة.
معوَّض: لا يخبو ولا يغيب
افتتح المؤتمرَ رئيس الجامعة الدكتور ميشال معوَّض بكلمة أَعلن فيها أَن هذا الحدث يصادف استعداد الجامعة لإِعلان احتفالاتها بالذكرى المئوية لتأْسيسها (1924-2024)، ويكون أَن الاحتفال بسعيد عقل هو “احتفاءٌ بشاعرٍ غنَّى لبنانَ، وكرَّس له شعرَه ونثرَه ونشاطَه الكتابي والمنبري، حتى بات يتماهى به ذوَبانَ قلبٍ في قلب، وحضارةً تنفتحُ على حضارات، هو الذي نَشَر عطاءاتِ لبنان فأَظهَرَ عبقريةَ هذا الوطنِ الفريد، وجعلَه عالَميًّا على مستوى الفكرِ والإبداع. وكم كان له في جامعتِنا من إسهاماتٍ فكريةٍ وحضورٍ شخصيٍّ أعطى محاضرات مركز التراث رونقًا من المستوى العالي”. وختم: “عشرُ سنواتٍ مرَّت على غياب سعيد عقل، لكنه في بالنا وذاكرتنا لعشَراتٍ آتية، هو الذي تركَ لنا إرثًا عن لبنان غنيًّا فلا يخبُو، ورائعًا فلا يغِيب”.
الريحاني: أَبياته نُور في كاتدرائية
تعذَّر على الكاتبة اللبنانية مي الريحاني مجيئها من واشنطن فأَرسلت كلمتَها مصوَّرةً، ومما جاء فيها: “كان سعيد عقل خيَّالَ الشعر على حصان أَبيض من قمة إِلى قمة، حاملًا شعرًا مجنَّحًا بمذاق النبيذ المعتق، نابعًا من مجد لبنان، من أَصالة العربية، ومن تأْثير الجماليات الآتية من الأَدب والشعر الإِغريقي والعربي والفرنسي”. وأَضافت في مكان آخر: “هو المجد الذي أَعطى سعيد عقل طاقة لامحدودة على قدرة الإِيمان بعظمة الوطن، وباستمرارية لبنان. وهو المجد الذي أَعطاه قدرة التحليق الدائم في فضاءَات الشعر حتى غدا شعره كاتدرائية تتطلَّع دائمًا إِلى فوق، في أَبيات من نور تطير من نوافذ الكاتدرائية وتسرح في سماء مضيئة”.
نعمان: تقديس الخلق والإِبداع
وكانت كلمة من الأديب عبدالله نعمان أرسلها من باريس وتلاها نيابة عنه هنري زغيب، جاء فيها: “سعيد عقل شاعر متوهّج بنى مملكةً للجمال ذاتَ أَلَق، وإرثُهُ قيمة مُضافة في سجلّ الشعر العربي، وهو ذو شخصية مركَّبة، كاد أَن يتبرّأ من نفسه، حتى أنكر اللذة الحسّية الإنسانية كي يُقدّس اللذة الأكبر المتجسّدة والمتمثّلة بالخلق والإبداع”. وأَضاف: “اليوم، في زمن البؤْس الأَخلاقي المديد والعوَز الشعري المرير، أَفتقدُ سعيد عقل صديقًا وفارسًا كريمًا، أَنيقًا في كبريائه، استهلك أَرضًا حرَثَها وأَبقاها في حالة راحةٍ إِلى زمن طويل. إِنه عاشق اللغة الذي أَتقن صناعة الشعر باحترافٍ عالٍ ومَلَكةٍ لغوية سيعزُّ نظيرُها إِلى أَجيال”.
مطر: يرفض الألقاب يحتقر الأوسمة
الكاتب سهيل مطر تحدَّث عن سعيد عقل “الـمعلِّم” تدريسًا جامعيًا. ومما قال: إنه استثنائي متمرّد، خارج عن المألوف، اغتسل بماء الجنون وندى البردوني الهادر، فإذا به يرفض الألقاب، يحتقر الأوسمة، يسخر من التكريم، يرفض المناصب، ويكتفي بـ”المعلّم” لقبًا كرّسه له الأخوان رحباني وعبد الحليم كركلّا، وبذلك أصبح اسمه الحركي: “المعلّم”. والمعلم في رأيه هو الذي “يكتب كتاب الكون من جديد: المسيح هو المعلّم، كبار التاريخ هم المعلّمون، العظماء، لا الزعماء هم المعلّمون. زملاء للخالق هم، لم يعد المعلّم ناقل معلومات، أو ناقد معلومات، بل تحوّل إلى صانع معلومات وإلى باحث عن الحقيقة. إنّه خالق جديد.. سعيد عقل، بعد عشر سنوات على غيابه الجسدي، استمرّ في حضوره اليوميّ الغنيّ التربويّ الفاعل”.
بزيع: يحلق كالنسر فوق شقاء العالم
الشاعر شوقي بزيع أَلقى كلمة بعنوان “اللغة القصوى والتحليق فوق الحياة”، جاء فيها: “يبدو سعيد عقل غير معنيّ بما يدور على أرض الواقع من نثار العيش ويومياته وتفاصيله . فهنا لا إصغاء الى نأمة وجع، ولا تحديق في الوجه القبيح للكائنات، ولا اجتراح للكتابة من المناجم المظلمة للضعف الانساني، ولا رؤية إلى الحب بوصفه سقوطًا في النُواح والعمى والاختبال، ولا احتفاء بالألم شأن الرومنسيين… وإذ تبدو نظرته إلى الحياة مزيجًا متفاوت المقادير من نظرتَي المتنبي ونيتشه، فهو لا يأبه بسقط متاع الأشياء بما يتصارع حوله البشر من صغائر وترّهات بل يحلّق فوق الحياة من الأعلى كما يحلّق النسر فوق شقاء العالم”.
درويش: أَعلن انتماءه إِلى كل لبنان
الدكتورة زهيدة درويش جبور تحدثت عن سعيد عقل وهويته المركَّبة المتعددة، ومما جاء في مقطع عن لبنانية الشاعر: “لبنان الذي تغنّى به سعيد عقل ورفعه إلى قمم المجد ليس مجرّد بقعة على خارطة العالم بل هو صنو للحرية والكرامة والعنفوان والانتصار للحق. ولبنان رسالة نور حملها قدموس الى العالم كما تقول الأسطورة التي استلهمها سعيد عقل ليكتب واحداً من أجمل دواوينه بل مسرحية شعرية يجدر أن تُعتمد في مناهج التعليم المدرسي إن أردنا أن نبني جيلاً أصيل الإنتماء فخوراً بوطنه متمسكاً بالقيم الإنسانية السامية. ولبنان مدن عريقة توالت عليها الحقب فصمدت وحجزت لنفسها مكانة مميزة في الحضارة الإنسانية: هي صيدون، وصور، وبيروت وبعلبك وطرابلس وزحلة، توزعت قلب الشاعر الذي لم يفرّق بينها وإليها جميعها يعلن انتماءه”.
أَديب: أَراد لبنان مركز إِشعاع
الدكتورة هند أَديب تحدَّثَت عن مسيرتها الأَدبية والإِنسانية مع سعيد عقل، ومما قالت: “لبنان سعيد عقل كناية عن تاريخ أُسطوري وإِنساني، وقد أَراد له الشاعر أَن يكون مبتدأَ كل الحضارات وكل القيم وكل العلوم، كما أَراد له أَن يكون مركزًا للإِشعاع يختزن كَمًّا من التاريخ الإِنساني والإِنجازات”. وأَضافت: “اليوم، مع تبَنّي كل لبنان فكرة “لبنان وطن دائم لكل اللبنانيين”، ومع رفع شعار “لبنان أَوَّلًا”، ليس أَمام محبّذي هذا الـ”لبنان” سوى إِعادة قراءة ما كتبه سعيد عقل في “قدموس” و”لبنان إِن حكى” وبعض قصائد “كما الأَعمدة” وافتتاحيات جريدة “لسان الحال”، لكي يؤَسِّسوا للبنان كيانًا مستقلًا ومميّزًا وفذًّا في ضميرهم”.
نجَّار: دائم البحث عن الجمال والحقيقة
المحامي والكاتب اسكندر نجار سردَ علاقته بسعيد عقل منذ لقائهما الأول عام ١٩٨٩ لملف أعده نجار حول المئوية الثانية للثورة الفرنسية، وفوجئ بإدانة الشاعر الثورة “لأنها دمرت النظام الملكي الذي جعل من فرنسا منارةً ثقافية في أُوروبا”. ولاحقًا وترجم له قصيدة إلى الفرنسية ونشر عنه مقالات في ملحق الأوريان الأدبي. وتقرب منه فاطَّلعَ على أفكاره حول اللغة والشعر والله والجمال والحب وشغفه بلبنان وتراثه الفينيقي. وأعلن نجار تأثُّره بسعيد عقل تمسُّكًا بالهوية اللبنانية (من دون إِنكار عروبة لبنان) وضرورة التجدُّد والتجديد والبحث عن الجمال والحقيقة، وضرورة أن يثقّف الفنان نفسه باستمرار ليبدع. وختامًا تمنى نجار على جامعة سيدة اللويزة نشر مخطوطات سعيد عقل غير المنشورة التي أَودعها لديها قبل وفاته.
أُغنيات من شعره
ختام المؤتمر كان أمسية موسيقية غنائية بقيادة المايسترو أندريه الحاج الذي اختار من سعيد عقل عشر قصائد غنَّتْها كارلا رميا في مسرح غولبنكيان الذي غص بحضور كثيف.