
ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله سبحانه عباده، فيما قاله لرسوله(ص) أن يبلغنا: {قُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً}.
هي دعوة من الله عز وجل لعباده أن يعتمدوا الأحسن في القول وفي التعبير عن أفكارهم وآرائهم وفي أحاديثهم وخطاباتهم وحواراتهم، التي تجري مباشرة أو عبر وسائلهم الإعلامية ومواقع التواصل، بأن يدرسوا أية كلمة يطلقونها في تداعياتها وآثارها، وما تؤدي إليه من ردود فعل أو شحن طائفي أو مذهبي أو استفزاز للآخر، فلا ينطقون إلا بما فيه الخير والصلاح والإصلاح لمجتمعهم وبما لا يسمح للنافخين في نار الفتنة من شياطين الجن والإنس، أن يجدوا طريقاً لتحقيق أهدافهم، ومتى عملنا بذلك سنكون أكثر وعياً ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات…
والبداية من الانسحاب الأخير للعدو الصهيوني من قرى الشريط الحدودي، والذي كشف بوضوح عن مدى عدوانية هذا العدو وهمجيته في التدمير الهائل للمباني السكنية والبنى التحتية والمرافق الحيوية، وصولاً إلى المقابر وفي تجريفه للأراضي والمزروعات ما جعل البلدات والقرى غير قابلة للحياة.
لكنه وفي الوقت نفسه، أشار الى مدى بسالة المقاومين حماة الأرض الذين ثبتوا ودافعوا واستشهدوا حباً لهذا الوطن الذي يريدونه ان يبقى حرا عزيزا كريماً، ومنعاً لهذا العدو أن يعبث فيه، لكن هذا العدو لم يرد لهذا الانسحاب أن يكون كاملاً ببقائه في مواقع حددها ضارباً بعرض الحائط الاتفاق بينه وبين الحكومة اللبنانية سعيا منه لإبقاء سيطرته وتحكمه في القرى الحدودية من المواقع التي يتواجد فيها ولمنع عودة الأهالي إليها، ولابتزاز الدولة اللبنانية على الصعيدين الأمني والسياسي ودفعها لتقديم تنازلات في مقابل خروجه منها، وللإيحاء لمستوطنيه المترددين في العودة بأن يده لا تزال الطولى وهو الذي فشل بعد حرب همجية وتدمير غير مسبوق في التقدم اكثر من بضع كيلومترات في الأراضي اللبنانية.
إننا أمام ما جرى نهنئ اللبنانيين على الإنجاز الذي تحقق والذي ما كان ليحصل لولا التضحيات الجسام التي بذلت من قبل المقاومين حماة الأرض، وإصرار أهالي الشريط الحدودي على العودة إليه، رغم التدمير وعدم وجود سبل الحياة فيها.
لكن تبقى المسؤولية على الدولة اللبنانية في ممارسة كل وسائل الضغط على الجهات الراعية لهذا الاتفاق لإخراج العدو من التلال والأراضي التي يصر على البقاء فيها، ولمنعه من التمادي بخروقاته التي يعلن أنه سيستمر فيها، وأن تستعين على ذلك بعناصر القوة التي تمتلكها والتي هي احوج ما تكون اليها وإلى الحفاظ عليها.
ومن هنا، نرى أهمية الموقف الرسمي الموحد بين الرؤساء الثلاثة والذي تقرر فيه اتخاذ كل الإجراءات على الصعيد الدولي لفرض خروج العدو من النقاط التي لا يزال يحتلها، والتأكيد على حق لبنان اتخاذ كل الوسائل التي تضمن تحرير كامل ترابه وعدم بقاء العدو في هذه المناطق التي لا يزال يحتلها وبسط سيادة الدولة اللبنانية عليها. ونحن، على هذا الصعيد، كنا نأمل ولا نزال أن يتضمن البيان الوزاري وبكل وضوح هذا الحق خاصة مع امعان العدو في احتلاله، وهو من لم يعلن حتى الآن إيقاف حربه على هذا البلد وأطماعه فيه.
في الوقت الذي نريد للشعب اللبناني أن يتوحد في موقفه لمواجهة هذا التهديد لسيادته وأمنه، لعدم إعطاء العدو أية ذريعة تبرر استمرار احتلاله أو اعتداءاته.
وهنا لا بد أن نحذر من المحاولات التي جرت وتجري للمس بهذه الوحدة من العدو الصهيوني أو ممن لا يريد لهذا البلد الاستقرار واستعادة الدولة لحضورها ما يدعو إلى مزيد من الوعي والتحصين على الصعيد الأمني، وتجفيف كل ما يساهم في الاحتقان الذي نخشى من تداعياته على صعيد وحدة هذا البلد وأمنه وسيادته.
وأخيراً أيُّها الأحبّة؛ سنكون بعد يومين على موعد مع التشييع المهيب للأخوين العزيزين الشهيدين السعيدين السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين اللذين بشهادتهما توجا مسيرة طويلة من الجهاد والتضحية والعمل من أجل حماية هذا الوطن ومنعته وكرامة أهله وتحرير أرضه، وانطلاقاً من وعيهما لخطورة هذا العدو على أمن هذا البلد وعلى سيادته وعلى الأمة ان تمكن العدو من تحقيق مخططاته وأهدافه، وإيماناً منهما بضرورة نصرة القضية الفلسطينية التي هي قضية حق وعدل، وأن الأمة كلها ستكون في دائرة الاستهداف إن نجح العدو من القضاء على القضية الفلسطينية وتصفيتها.
ومن هنا فإننا ندعو اللبنانيين جميعا بكل فئاتهم وتنوعاتهم للمشاركة في التشييع وفاء لهما ولكل هذه المسيرة، مسيرة الوعي والجهاد تعبيراً عن التمسك بقيم الحرية والاستقلال والكرامة لهذا الوطن، في مواجهة عدو متغطرس لا يفهم الا منطق القوة.
أيُّها الأحبّة، إن وفاءنا لكل هذه الدماء الطاهرة التي سالت على أرض لبنان وفلسطين وفي كل مواقع المواجهة والتضحية والإباء إنما هو بالوعي الكامل لكل المخاطر المحدقة بنا، أن لا نغفل لخطر الفتنة التي يعمل الأعداء على النفخ في بلادنا وللأخذ بأسباب القوة وتعزيز الوحدة والصبر وتمسكنا بأرضنا وقضايا أمتنا.