بقلم وزير المالية الاردني الأسبق د محمد أبو حمور..
القطاع الخاص والرهانات المستقبلية
في ظل الظروف الراهنة والتحديات غير المسبوقة التي يشهدها الإقليم والتي تؤثر بشكل واضح على الأداء الاقتصادي للمملكة لا بد من التأكيد مرة أخرى على الدور الريادي الذي يؤديه القطاع الخاص باعتباره المحرك الرئيس للاقتصاد الأردني والمولد الأساسي لفرص العمل.
كما أن الطموحات والاهداف التي يتم السعي لتحقيقها عبر رؤية التحديث الاقتصادي تستند في محاورها الأساسية على أنشطة القطاع الخاص ومساهمته في رفع نسب النمو وتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني ودوره في ترجمة الأفكار الى واقع عملي يسهم في التصدي للمصاعب التي نعاني منها وخاصة الفقر والبطالة، وهذا يؤكد ضرورة الاستمرار في توفير الظروف الملائمة والاليات اللازمة التي تتيح للقطاع الخاص مزيداً من الفرص والامكانيات اللازمة لمواصلة القيام بدوره التنموي عبر التوسع في الاستثمار والإنتاج على مختلف الأصعدة.
وبهدف تمكين القطاع الخاص من القيام بالدور المأمول من الضروري الوعي بأهمية تطوير أدوات واليات عمل مؤسسات القطاع العام لتشكل داعماً فعالاً وشريكاً محفزاً وممكناً، بما في ذلك إعادة النظر في الخدمات والإجراءات المرتبطة بتقديم الخدمات للمستثمرين ورجال الاعمال والمواطنين بسلاسة وبأقل وقت وجهد ممكن مع الالتزام بالتشريعات ذات العلاقة، وفي هذا الإطار تشكل التكنولوجيا الرقمية والخدمات الالكترونية مجالاً رحباً يمكن من خلاله أيضاً خلق مزيد من فرص تمكين الشباب وتحفيزهم في مجالات الريادة والابتكار.
ولعل من أهم الدوافع التي تبرر العمل لتمكين القطاع الخاص هي نسبة البطالة التي تجاوزت خلال الربع الثالث من العام الماضي 22% ويقدر عدد المتعطلين عن العمل بحوالي 420 ألف شخص، وكذلك أعداد الداخلين لسوق العمل والبالغ حوالي 130 الف سنوياً، في حين أن قدرة القطاع العام على التوظيف لا تتجاوز 10-15 ألف، ونمو الناتج المحلي الذي يبلغ حوالي 2.7% لا يساعد عملياً على توليد مزيد من فرص العمل تلبي احتياجات الفئة النشطة اقتصادياً من الأردنيين الذين تبلغ نسبتهم حوالي 33% من السكان، وهنا من المهم الإشارة الى أن معدل البطالة مرتفع بشكل واضح بين الشباب ويصل الى حوالي 47%، كما أن المشاركة الاقتصادية للنساء تراوح بحدود 15%.
التحديث الشامل الذي تسعى المملكة الى تحقيقه لا يتعلق بجهة دون أخرى فهو مشروع دولة لا بد أن تشارك في العمل لتحقيقه مختلف القطاعات والفئات الاجتماعية، خاصة وأن مردود أهدافه سينعكس ايجاباً على مستوى حياة المواطنين وجودة الخدمات التي تقدم لهم.
ومن هنا فان القطاع العام معني بتحسين الاطار الكلي للاقتصاد والحفاظ على مقومات استقراره عبر تحسين بيئة الاعمال والتعاون مع القطاع الخاص لتمكينه من التعامل مع التحديات التي يواجهها بما في ذلك كلفة الطاقة والتمويل والمنافسة غير العادلة مع بعض دول الجوار، وتوفر الايدي العاملة المؤهلة والمدربة ناهيك عن الإجراءات البيروقراطية في بعض الدوائر والمؤسسات.
ومن المهم أيضاً الإشارة الى أهمية المبادرة الى تنفيذ المشاريع الكبرى نظراً لما تشكله من انعكاس إيجابي على مختلف الأنشطة الاقتصادية، كما أن العمل على بناء شراكة حقيقية مع القطاع الخاص ضرورة لا بد في اطارها من تحفيز مشاريع الشراكة باعتبارها احدى المسارات الكفيلة بفتح مزيد من الفرص الاستثمارية للقطاع الخاص وتخفيض عبء التمويل المترتب على المالية العامة، خاصة وان القطاع الخاص أثبت قدرته على مواكبة متطلبات التحديث التي تستهدف تحسين الأداء الاقتصادي.
تحقيق الطموحات التنموية وتوليد فرص العمل وتسريع وتيرة النمو وتعزيز القدرة على تلبية احتياجات الوطن والمواطن، طموحات لا يمكن تحقيقها دون شراكة فاعلة مع القطاع الخاص مع قيام القطاع العام بتوفير البنية التحتية المناسبة وتبني التشريعات المحفزة ورفع مستوى التنمية البشرية وإيجاد بيئة تنافسية تخدم نمو وتطور الاعمال في مناخ يتصف بالشفافية والحوكمة الرشيدة وسيادة القانون، وإذا تحققت هذه المتطلبات نستطيع أن نراهن على مستقبل مزدهر يقوم فيه القطاع الخاص بالدور المنوط به بكفاءة وفاعلية.