الأستاذ خالد مشعل متحدثاً حول انعكاسات طوفان الأقصى على ترتيبات البيت الفلسطيني في ندوة لمركز الزيتونة
استضاف مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، في ظلّ تطورات معركة طوفان الأقصى واستمرار العدوان على قطاع غزة، القائد الوطني الفلسطيني الأستاذ خالد مشعل، رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الخارج، في ندوة علميّة شارك فيها نخبة من رؤساء مراكز الدراسات والتفكير الفلسطينية، ومن الخبراء والمهتمين بالشأن الفلسطيني، وذلك يوم الأربعاء في 26/6/2024.
أدار مدير عام مركز الزيتونة الأستاذ الدكتور محسن محمد صالح حلقة النقاش، التي قدَّمَ فيها الأستاذ خالد مشعل ورقة عمل بعنوان “معركة طوفان الأقصى وانعكاساتها على ترتيب البيت الفلسطيني”، وعقّب عليها ثلاثة متحدثين رئيسيين، هم الأستاذ هاني المصري، مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات) – رام الله؛ والأستاذ عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية – عمّان، والأستاذ الدكتور سامي العريان، مدير مركز الإسلام والشؤون الدولية (سيغا) – إسطنبول.
استهلّ الأستاذ خالد مشعل ورقته بالكلام عن موقع معركة الطوفان في مسيرة حرب التحرير، وقال إنّ هذه المعركة شكّلت نقلة نوعية مؤثرة نحو مرحلة التحرير، وغيّرت كلّ عناصر المشهد التي كانت في حالة سكون، وأربكت كل حسابات الكيان الذي اهتزَّ أمنياً وعسكرياً، وعمّقت خلافاته الداخلية، وهزَّت صورته أمام العالم، وغيَّرت نظرة المنطقة للاحتلال وخيارات التطبيع معه والرِّهان عليه والاستقواء به، كما تركت تأثيراً على الصعيد الشعبي العالمي، وبدأت المعادلة الدولية تتغيّر، حيث عادت القضية إلى رأس الأجندة الدولية، وأصبحت القضية الفلسطينية قضية انتخابية في الكثير من الدول الغربية. وأضاف مشعل أنّ السيناريو الأقرب للتحقق هو انهيار هذا الكيان وتفككه وفقدانه لمبررات وجوده.
أما على الصعيد الشعبي الفلسطيني، فقال مشعل إنّ الطوفان انعكس على الروح الشعبية في الداخل والخارج فلسطينياً، وعربياً، وإسلامياً، بل وإنسانياً، وبقي هذا الاستحقاق متعلّقاً بترتيب البيت الفلسطيني، والقيادة الفلسطينية، والمرجعية الوطنية، وإعادة بناء المؤسسات السياسية الفلسطينية. وأكّد مشعل أنّ ترتيب البيت الفلسطيني ليس أمراً ننتظره بعد وقف العدوان، وينبغي أن نبدأ في الانخراط فيه في معركة الطوفان، وأكّد أنّ نتائج المعركة ستنعكس على ترتيب البيت الفلسطيني.
وركّز الأستاذ مشعل على سبع نقاط لترتيب البيت الفلسطيني، وهي: أننا دخلنا في مرحلة ما بعد أوسلو فعلياً، كأحد استحقاقات ما بعد طوفان الأقصى؛ وأنّ الرهان على التحرير وإنجاز المشروع الفلسطيني ليس له طريقٌ إلا المقاومة، وحتى آفاق السياسة تصنعها المقاومة؛ وأنّه يجب الاتفاق على مضمون المشروع الوطني الفلسطيني ومفاهيمه وعناوينه المركزية، والاستراتيجية المتَّبعة لتحقيقه سواء عسكرية أم سياسية، والثوابت والمتغيرات، والسياسات المتفق عليها فلسطينياً، وقيادة المشروع، ودور الداخل والخارج، وعدم السماح لأحد أن يَحُوْل دون أن تُفتح كل هذه العناوين لصالح الشعب الفلسطيني؛ وأنّه من حقّ الفلسطينيين المطالبة بالدولة من دون أن يعيشوا الأوهام المرتبطة بها؛ وفي النقطة الخامسة المتعلقة بالقيادة الفلسطينية والمرجعية الوطنية وبناء المؤسسات الفلسطينية، قال مشعل إنّ هناك تضييع للوقت والجهد لا يمكن الصبر عليه، ولا يمكن تكرار المحاولات السابقة بالسردية نفسها، وأضاف أنّ آليات ترتيب المؤسسات الفلسطينية هي الانتخابات والتوافق والشراكة، ويجب تفعيل وإعمال العقل والجهد السياسي بهذه الآليات، لتمرير المرحلة الانتقالية بيسر، وأكّد أنه من المهم أن نكون شركاء، وألّا ينفرد أحد هنا أو هناك، وألّا تموت مؤسساتنا؛ ورأى الأولوية لتشكيل حكومة توافق وطني وإدارة الوضع في غزة ما بعد الحرب وتحدّي الإيواء وإعادة البناء وإغاثة الناس؛ وأنّ تحدي وضع القدس والضفة الغربية هو تحدٍّ كبير واستحقاق له ما بعده.
وخَتَمَ مشعل بأنّ ترتيب البيت الفلسطيني هو من مسؤولية جميع الفلسطينيين؛ فصائل، وقوى، وشخصيات مستقلة، وشرائح مجتمعية، ونُخَب، في الداخل والخارج. وقال إنّ حماس تُشجِّع جميع المبادرات، ولكنّ من يملك مفاتيح المؤسسات لا يُبادر. وأضاف أنّ الطوفان غيَّر كثيراً من الحقائق وعناصر المشهد الإقليمي والدولي، ولا يصحّ مطلقاً أن يغيب ترتيبه عن البيت الفلسطيني.
وفي تعقيبه على كلمة مشعل، قال الأستاذ هاني المصري، أنّ الطوفان حَدَثٌ مؤسِّس وليس كبقية الأحداث، حيث إنّه أحدث تغييرات كبيرة، ولكن يمكن أن يرتدّ، فإذا لم نُحسن التصرّف كفلسطينيين وكعرب وكأصدقاء دوليين، يمكن أن تضيع هذه الإنجازات. وأضاف أنّ إنهاء الاحتلال يجب أن يكون الهدف المشترك بين الفلسطينيين. وتساءل المصري عن الخطوات اللازمة التي يجب أن تُتَّخذ لتحقيق الوحدة، وعن خيارات حماس في حال رفضت القيادة الفلسطينية المشاركة معها. ورأى المصري أنّ “إسرائيل” في وضع سيء جداً، وأنّ نظرية الردع قد سقطت، وأنّ الهزيمة الكاملة لـ “إسرائيل” ستتم من خلال الطريقة التي تشكّلت فيها “إسرائيل”، أي بتشكّل نظام عالمي جديد، يساعد على تفكيك نظام السياسات العنصرية.
أما الأستاذ عريب الرنتاوي، وفي تعقيبه على كلمة مشعل، فقد رأى أنّ الفلسطينيين أسَّسوا لنصر استراتيجي ستتحقَّق ثماره خلال سنوات، وأنّ القيادة الفلسطينية تَوَفَّرَ لها الكفاية من الوقت للاستيقاظ على مسؤوليتها التاريخية والوطنية ولكنّها بدّدت كل الفرص. واقترح الرنتاوي الانتقال إلى مرحلة التعرّض الأكثر خشونة مع القيادة الفلسطينية، وقال إنّ هناك رغبة لاسترداد منظمة التحرير الفلسطينية من أيدي خاطفيها. وأضاف الرنتاوي أنّ ترتيب البيت الفلسطيني هو مسؤولية الجميع، وأنّه يجب ترتيب شبكة أمان للمقاومة، لأنّ هناك العديد من الأطراف هدفها إمّا تصفية المقاومة أو تفريغها من مشروعها المقاوم من خلال السياسة.
من ناحيته، قال الأستاذ الدكتور سامي العريان، في تعقيبه، إنّه ليس ضدّ أيّ عمل يحاول ترتيب البيت الفلسطيني، لكنّ الأمر خاضع لموازين القوى التي ليست في مصلحة المقاومة في الوقت الحاضر. وأضاف أنّ الحفاظ على صمود الشعب الفلسطيني وعدم تهجّره، والاشتباك مع العدو، هما من أهم الأشياء التي ستغيّر موازين القوى في هذه المرحلة. وقال العريان إنّ الشرعية ليست بمجرد الانتخابات، بل الشرعية بمن الذي سيقف مع الثوابت واستراتيجية المقاومة. ورأى العريان أنّه لا بدّ من تحديد الهدف النهائي؛ فإذا كان إنهاء الكيان وتفكيكه، فهذا سيزيد من النضال، ولكنّ التفكيك لا يمكن بالشعب الفلسطيني وحده كما لا يمكن بدونه. وقال إنّ الذي يُعطِّل لا يملك حلاً، وهو مرتبط بأنظمة إقليميّة وعربيّة، بالإضافة إلى علاقته بالكيان الصهيوني بشكل كبير. وأكّد العريان أنّ الذين اختطفوا العمل السياسي لن يأتي منهم خيراً، وهم جزء من التآمر على طوفان الأقصى.
وكانت هناك مداخلات وتعليقات مهمة من مجموعة من الخبراء والمتخصصين على الورقة المُقدَّمة، واختُتمت الجلسة بإجابة وتوضيحات الأستاذ مشعل على تساؤلات المناقشين وملاحظاتهم.