شكّل اغتيال الكيان الصهيوني لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية رحمه الله في العاصمة الإيرانية طهران في 31/7/2024 تطوّراً خطيراً في المواجهة بين حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية وبين الكيان الصهيوني في سياق معركة طوفان الأقصى المتواصلة منذ نحو 11 شهراً. وأثارت عملية الاغتيال العديد من التساؤلات حول تداعياتها المحتملة على المعادلة القيادية لحركة حماس وقدرتها على التعامل مع تحدي غياب رئيس مكتبها السياسي، وكذلك على مسار مفاوضات صفقة التهدئة وتبادل الأسرى.
وقد أصدر مركز الزيتونة تقديره الاستراتجي 136 تحت عنوان: ” اغتيال إسماعيل هنيّة.. الدوافع والتداعيات والتوقعات” ليعالج تداعيات الاغتيال ويستشرف نتائجه.
حيث رأى التقدير أن نتنياهو سعى عبر اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية لتسجيل إنجاز سياسي وميداني يساعده على تجاوز الضغوط الداخلية والخارجية، ومواجهة الانتقادات جرّاء إخفاقه في تحقيق أهداف الحرب المعلنة، كما استهدف من خلاله إرباك الحركة والتأثير في معادلتها التنظيمية، ودفعها للتشدد في ملف المفاوضات، بهدف تعطيلها وإفشالها.
ورجّح التقدير في ضوء المعطيات والمؤشرات الراهنة أن تنجح حركة حماس في تجاوز تداعيات غياب إسماعيل هنية عن مشهدها القيادي، وأن تستكمل خلال الفترة القادمة الترتيبات القيادية المؤقتة ومن ضمنها اختيار نائبٍ لرئيس مكتبها الجديد يحيى السنوار. كما توقّع أن تواصل حركة حماس التعاطي بمرونة خلال الفترة القادمة مع المقترحات المقدَّمة من الجانب الأمريكي والوسيطَيْن القطري والمصري بغية التوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، ولكن بما يحافظ على الخطوط الأساسية التي وافقت عليها الحركة في مقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي طرحه في 2/7/2024.
ورأى التقدير أن تعامل حماس مع تحدي اغتيال هنية أكد شوريتها المؤسسية، ووحدتها وتماسكها واستقلالية قرارها، وأبرز قدرتها على اتخاذ قرارات سريعة في لحظات دقيقة وحساسة، وكشف عن الرصيد القيادي لديها. وأشار التقدير إلى أن اغتيال هنية، وخلافاً لرغبة نتنياهو، لم يؤثر على موقف حماس ومرونتها في إدارة ملف المفاوضات، وأثبت أن قرارها مؤسسي لا يتعامل بمنطق الانفعال وردود الأفعال.
أما عن الردّ الإيراني على جريمة اغتيال هنية، فأشار التقدير أنه من غير المرجّح أن تتنازل إيران عن تهديدها بالردّ على جريمة الاغتيال، نظراً لتداعيات ذلك على صورة إيران وعلى معادلة الردع التي تكرّست خلال الفترة السابقة وتم انتهاكها في عملية الاغتيال على الأراضي الإيرانية. وتوقّع أن يكون الرد الإيراني محكوماً بقواعد الاشتباك التي تَحُوْل دون تدحرج التصعيد لحرب إقليمية لا ترغبها إيران ولا الولايات المتحدة وعلى غرار ردّ حزب الله، وقد يأخذ الردّ طابعاً استخبارياً كما ألمحت بعض المصادر الإيرانية.
ورجّح التقدير أن يواصل الكيان الصهيوني خلال الفترة القادمة سياسة الاغتيالات للقيادات السياسية والعسكرية المؤثِّرة في فصائل المقاومة وجبهات المساندة لها كلما سنحت الفرصة لذلك، مستفيداً من تقدير الموقف بأن مختلف الأطراف ليست معنية بالانخراط في مواجهات واسعة ثنائية أو على المستوى الإقليمي، وبأن الولايات المتحدة جاهزة للدفاع عنه ولتوفير شبكة الأمان المطلوبة لتجنيبه ردود فعل قاسية ومؤذية على جرائمه، الأمر الذي يضع فصائل المقاومة الفلسطينية والقوى الداعمة لها أمام تحديات ليست سهلة تفرض المزيد من اليقظة والحذر والتفكير بإجراءات ناجعة لردع الاحتلال عن المضي قدماً في سياسة الاغتيالات.