أنا مواطن لبناني مؤمن ببلدي وشعبي، أعتبر أن مصلحة وطني وأهله تعلو فوق أي اعتبار أدّى مؤخراً إلى تحويل لبنان من وطن الإنسان والحياة إلى أرض للقتل والدمار.
أنا لبناني عاش الحرب الأهلية وعانى من ظلم الميليشيات إبّانها وتعسّفها بحق الناس وبطشها وخوّاتها وسرقاتها، لا أنسى كيف أوقف حاجز تفتيش تابع لـ “فتح” أبي الذي كان يقلّني وأطفال آخرين إلى المدرسة لينهال عناصره عليه بالضرب لدى رفضه استيلاءهم على “ربطة الخبز” المعدّة لزوّادة المدرسة. حواجز التفتيش التابعة لميليشيات الأحزاب اللبنانية لم تكن أفضل.
رحل الاستبداد الفلسطيني بحق اللبنانيين وحلّ محلّه القمع السوري ثم إرهاب زعماء ميليشيات لبنان وحاشيتهم ومافياتهم، لنراهم بعد انتهاء الحرب يكافؤون بدلاً من أن يحاسبوا، يستبدلون زيّ الحرب بزيّ لصوص أنيق في ظاهره وقذر مشبّع بالشر في باطنه، ينقضّون على مقدرات الدولة والمواطنين، يعيثون في الأرض فساداً وجوراً يكملون معه ما بدأته ميليشياتهم من إجهاز على الدولة واستضعاف للبنانيين وتنكيلاً بهم، فتُنهب الدولة وتُرتهن وتنهار وتُشرّع الحدود للسلاح المتفلت وتُسرق أرزاق الشعب اللبناني ومدّخرات المودعين في المصارف، وتتخذ تلك المافيات من لبنان وكراً لفسادها وإرهابها وغسيل أموالها وإجرامها، وتحوّله إلى ملاذ آمن لكل مجرم في العالم.
إنه وباء الفساد القاتل، الذي بدّد الحلم بلبنان فيروز ووديع الصافي، وجعله سفينة تُبحر من دون قبطان، وأدخله في أتون هذه الحرب اللعينة التي تحوّله إلى ركام يفرّ شعبه المضطهد منه منكسراً ذليلاً إلى أرجاء الأرض، على مرأى ومسمع من الجميع.
العالم كله يتفرج، وأنت تقصف وتقتل وتدمّر وتهجّر أبناء بلدي، وفي حساباتك فإنك تدافع عن شعبك.
لعل رسالتي لك والعالم يتفرّج، بشكل مباشر، تختصر الوقت والمسافات والمراهنات فتجنّبنا مزيداً من العنف والموت والتشرّد.
أنا لبناني مُغتصَب الوطن مسلوب الحقوق، سمع خطاباتك عن لبنان وعزّ عليه أن يسمع منك عن “سويسرا الشرق” وهو يتلوّى بالغضب والذل والهوان لرؤية لبنانه ينزف حتى الموت. وهو يتفق معك في هذا. نعم، يتفق مع قائد بلد يعتدي على أرضه وبكل حزن أكثر مما يتفق مع حكام بلده، لصوص الهيكل وتجاره وخونته.
أخاطبك بكل شجاعة يعزّ عليّ معها أن أسمع منك عن قمع الناس في بلدي وسلب أرزاقهم وسرقة المواطنين والمودعين الذين أضحوا مشرّدين على الطرقات، أفقدتهم قنابلك بيوتهم وهم يلعنون عدوّ الداخل لقساوته التي يقولون إنها تفوق قساوتك عليهم!
سمعت كلامك وأريد حلاً عادلاً ومخرجاً يوقف الحرب والقتل والدمار. كيف السبيل إلى هدنة، كنا خطونا نحوها مع بداية النزاع، تمكّن شعوبنا من العيش بسلام؟ أخاطبك وأنا أقف أمام بلدي المنكوب وشعبي المقهور العاجز، بعيداً عن رهانات وفلسفات الانتظار التي استحالت أقنعة نلبسها للتهرب من المسؤولية، غير آبه بترّهات التخوين والاتهام بالعمالة المردودة أساساً على مدّعيها.
فإن لم يكن الآن فمتى؟ حتى يفتك القتل والدمار بنا أكثر وتصبح النفوس حبلى بكراهية وأحقاد وعنف وشرور أكبر فتصبح أرضاً خصبة لكل أشكال الإرهاب؟؟
أخاطبك ملتمساً من خلال رسالتي هذه الطريق الأقصر والأسرع لوقف آلة الحرب والخراب، لوقف فظائع الحرب بحق أطفال لبنان وإسرائيل وغزة معاً وقبل أي شيء آخر. أعي أننا بحاجة إلى سلطة تمثّل شعبها لتتفاوض باسمه، وأقول: في ظل سلطة فاسدة مجرمة مستبدّة لا تمثّل شعبها وحرب ضروس دائرة، دعنا نحدد مدةً وخطة تقف فيها الاعتداءات فيما نتصدّى خلاله نحن اللبنانيون لإعادة تشكيل السلطة لدينا، كشأن داخلي نخرج منه إلى واقع جديد نتحمّل تبعته بكل مسؤولية ووضوح.
أخاطبك بثقة بما تتحقق فيه مصلحة أهل البيت اللبناني، مستمعاً لكلامك ومستخلصاً منه ما يخدم مصلحة لبنان وشعبه، عسى أن نجد فيه باباً للعبور إلى تحقيق مصلحة مشتركة. أم ترانا نرفض “الحوار” كقيمة أخلاقية وإنسانية لطالما ادّعينا أننا نتمسّك بها؟
من يثق بنفسه وبفكره وصدقه وقيمه لا يخاف ولا تأخذه في الله والحق والحقيقة لومة لائم، ولا يضرّنه أي خطاب لإنقاذ شعبه وبلده.
وأخيراً، يبقى الأهم: ألسنا جميعاً حفدة إبراهيم مؤمنين بإله واحد دعوته هي السلام أساساً بفم جميع أنبيائه، فهل نختار أن نكون مؤمنين بحق ودعاة سلام “حقيقي” وليس فقط “سياسي” عابر، أم نرتضي أن نكون دعاة صراعات وحروب وأحقاد وفتن وقتل ودمار، فنستحق غضب الله علينا؟
آمل خيراً، رغم كل ما يقال، وأتطلّع لقبول دعوتي. هي دعوة للسلام، لأجل لبنان وطن الإنسان والرسالة، ولأجلنا جميعاً.
بكل صدق واحترام،
رامي علّيق
مواطن لبناني يحبّ وطنه
النبطية، لبنان