دعت المفكرة القانونية وكلّنا إرادة ولجنة حماية حقوق المودعين لدى نقابة المحامين في بيروت والجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين إلى مؤتمر صحافي اليوم استباقاً للجلسة التشريعية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب يوم غد الثلاثاء وعلى جدول أعمالها مشروع قانون السرية المصرفية كما عدّلته لجنة المال والموازنة تبعاً لإعادته من رئيس الجمهورية ميشال عون ولملاحظات صندوق النقد الدولي عليه.
وتحدث في المؤتمر سيبيل رزق من كلّنا إرادة ونزار صاغية من المفكرة القانونية وكريم ضاهر من الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين ولجنة حماية حقوق المودعين لدى نقابة المحامين في بيروت.
وأجمعت الكلمات على أنّ لجنة المال والموازنة تواصل نهجها السابق في تفريغ مشروع قانون السرية المصرفية من مضمونه وتعتمد أساليب التعمية والتعتيم وسوء النية في مواجهة الملاحظات الأساسية التي رفعها رئيس الجمهورية كما في مواجهة ملاحظات صندوق النقد الدولي والأهم في تنكر تامّ لمصالح المجتمع. وشددت الكلمات على أهمية رفع السرية المصرفية لإطلاق مسار المساءلة والمحاسبة وبناء الدولة، والخروج من نهج الإفلات من العقاب.
واعتبرت سيبيل رزق في كلمتها أنّ إلغاء السرّية المصرفية ليس أمراً شكلياً بل هو إصلاح أساسي ومدخل للمحاسبة بهدف إنهاء نهج العفو والإفلات من العقاب الذي أوصل البلد إلى الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي والمؤسساتي.
وشرحت رزق أنّ إلغاء السرية المصرفية يسمح “بإجراء تدقيق حقيقي في حسابات مصرف لبنان والمصارف، وتحديد كافة المسؤوليات عن الجرائم والارتكابات التي وقعت خلال الفترة السابقة. والأهم تحديد مصادر الأموال الموجودة في تلك الحسابات”.
وأوضحت أنّ “التدقيق في حسابات المصرف المركزي والمصارف وتحديد مصادر الأموال، هي نقطة الانطلاق لإعادة هيكلة القطاع المصرفي بطريقة عادلة بالنسبة للمودعين، وبطريقة صحّية للنهوض بالاقتصاد”، فـ “إلغاء السرية المصرفية هي ركيزة لأي خطة تعافي. وليس صدفة أنّ صندوق النقد يعتبرها من أولوياته”.
وحذرت من أنّ السرية المصرفية هدفها حماية فئة محدودة ومعروفة من الإدارة الضريبية ولتجنيبها دفع الضرائب على دخلها وثرواتها، ولحماية كلّ المتورطين بجرائم مالية. لذلك فإنّ إلغاء السرّية المصرفيّة تعني مكافحة التهرب الضريبي، والجرائم الماليّة وغير المالية.
وقالت إنّ النسخة المُرسلة من لجنة المال والموازنة لا تخدم كلّ هذه الأهداف إذ يدّعي رئيس اللجنة أنّه تمت الاستجابة لكلّ ملاحظات رئيس الجمهورية وصندوق النقد الدولي، لكن في الواقع، تم تجاهل غالبية الملاحظات الأساسية، ولا يزال منطق الغموض والتعقيد القانوني سارياً، والهدف هو أولاً، تفريغ القانون من مضمونه والحفاظ على السرية المصرفية وإعطاء حاكم مصرف لبنان وحده السلطة والصلاحية لرفع السرية.
وقال المحامي كريم ضاهر بدوره إنّ رفع السرية المصرفية هدفه:
أولاً “محاربة الاقتصاد الخفي غير الرسمي وتوسيع قاعدة المكلفين وتحسين إيرادات الخزينة وتنويعها وتأمين موازٍ للعدالة الضريبية والخدمات العامة البديهية التي تحفظ كرامة المواطن”.
ثانياً “مواكبة المسار العالمي المناهض للممارسات المالية غير المشروعة (Illicit Financial Flows) وإعطاء صورة جيدة وإيجابية عن لبنان تساعد على استقطاب الاستثمارات والرساميل الأجنبية وتساعد على إعادة التوازن لميزان المدفوعات وتثبيت العملة الوطنية”.
ثالثاً: “تحديد المسؤوليات المترتبة عن الانهيار المالي والمصرفي ومحاسبة المسؤولين وإعادة ما يمكن استرجاعه من أموال غير مشروعة وبالتالي وضع حد نهائي لثقافة الفساد والإفلات من العقاب. وإعاقة التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان والمصارف كما والتحقيقات القضائية بحسابات بعض المسؤولين وذويهم خير دليل على مساوئ هذه السرية بنظامها الحاضر”.
وأخيراً يهدف رفع السرية المصرفية، بحسب ضاهر، إلى إمكانية التمييز بين الودائع المشروعة وغير المشروعة وبالتالي توزيع المسؤوليات والأعباء الناتجة عن الإنهيار الإقتصادي وإعادة هيكلة الديون والقطاع المصرفي بشكل عادل.
لذلك رأى أنّ قانون تعديل السرية المصرفية المطروح على الهيئة العامة يوم غد الثلاثاء يشكل منعطفاً مهماً واختباراً للنوايا لأنه حلقة من حلقات المحاسبة وأداة لعدم الإفلات من العقاب. لذلك يقتضي إقرار القانون وإنما مع تعديلات مخالفة لتلك التي اعتمدتها لجنة المال والموازنة.
وأضاف “تقدمنا بتعديلات تقنية تأخذ بما أوصى به كل من صندوق النقد الدولي ورئيس الجمهورية وما سبق للحكومة وطرحته أيضا وقد جرى تسليمها من قبلنا الى عدد من النواب لطرحها ومحاولة إقرارها في الجلسة على أمل أن يحذو زملائهم حذوهم”.
واعتبر المحامي نزار صاغية أنّ التدقيق في النسخة المنجزة من لجنة المال والموازنة يبيّن بوضوح أنّها تسعى من خلالها إلى معالجة الاتهامات الموجهة إليها بوضع صياغات معقّدة ومبهمة من خلال اقتراح صياغات أكثر تعقيداً وإبهاماً، مؤداها تكريس السّرية المصرفية أو على الأقل إبقاؤها محمية بدرجة كبيرة تحت شعارات رفعها.
ورأى أنّ اللجنة استمرت في النهج نفسه في اتجاه تكريس احتكار هيئة التحقيق الخاصة التي يرأسها حاكم مصرف لبنان في رفع السرية المصرفية. وقد تمّ ذلك بطرق مختلفة أهمها تجاهل العديد من مطالب رئيس الجمهورية وصندوق النقد الدولي أو الالتفاف حولها.
وحذر من أنّ مشروع قانون إلغاء السرية المصرفية “يجرّد النيابات العامة من الحصول على معلومات تخوّلها مباشرة دعاوى الحق العام في الكثير من الجرائم المالية فضلاً عن أنه يجعل النفاذ إلى الأسرار المصرفية المتصلة بالموظفين العامين وقفا على الحصول على إذن مسبق بالملاحقة من رئيسهم الإداري، طالما أن الدعوى لا تعدّ منعقدة أصولا إلا بعد الحصول على هذا الإذن”.
وحذّر أيضاً من أنّ المشروع يتجاهل مرجعية الهيئات القضائية المختصة في الحصول على معلومات مصرفية من دون المرور بهيئة التحقيق الخاصة، ويضيّق مرجعية الهيئات المصرفية المعنية (لجنة الرقابة على المصارف، مصرف لبنان، المؤسسة الوطنية لضمان الودائع) إذ بقيت اللجنة حذرة ومترددة في منحها صلاحية غير مقيدة لرفع السرية المصرفية رغم كون هذه الهيئات في غالبها مرتبطة بمصرف لبنان وجمعية المصارف.
ولفت إلى أنّ اللجنة أقرّت بصلاحية مصرف لبنان ومؤسسة ضمان الودائع ولجنة الرقابة على المصارف بطلب معلومات ولكن ضمن ضوابط تكاد تجردها من أي فائدة، وهي ربطها بحاجات إعادة هيكلة المصارف فلا تشمل التدقيق في مخالفات وتنتهي مع انتهاء الهيكلة، وحصرها بمعلومات عامة لا تشكل أي حساب بعينه، واقتراح فتح باب لاعتراض موقف للطلب أمام القضاء المستعجل.
وقال صاغية إنّ اللجنة تجاهلت مرجعية السلطات الضريبية “ففي حين انتقد صندوق النقد الدولي ربط صلاحية السلطات الضريبية بقضايا مكافحة التهرب الضريبي، إلا أن اللجنة تجاهلت تماما هذه الملاحظة”.
وفي ما يتعلّق بالرجوع بتاريخ بدء تطبيق أحكام القانون إلى فترة تغطّي على الأقلّ المدى الزمني المسبّب للأزمة، اعتبر صاغية أنّ لجنة المال والموازنة تزيد اللغط حول رجعية تطبيق القانون وتبرئ رؤساء المصارف ومدراءها منها، إذ لم تكرس اللجنة التطبيق الرجعي للقانون صراحة حسماً للجدل إنما فقط لفئات الموظفين العامين ورؤساء الجمعيات السياسية ودائما من خلال هيئة التحقيق الخاصة. كما رفضت اللجنة تطبيق القانون بصورة رجعية بالنسبة لرؤساء المصارف ومدرائها.
وبرأي صاغية فإنّ لجنة المال والموازنة تردع البوح بالأسرار المصرفية، إذ أبقت عقوبة الحبس حتى 3 أشهر لإفشاء الأسرار المصرفية متجاهلة تحذيرات صندوق النقد الدولي.