نشر مكتب مفوض الأمم المتَّحدة السامي لحقوق الإنسان اليوم تقييماً لست هجمات كبرى شنها الجيش الإسرائيلي في غزة العام الماضي، أدت كل منها إلى عددٍ كبير من الوفيات بين المدنيين وتدمير واسع النطاق للمرافق المدنية، مما يثير مخاوف جدّية تتعلق باحترام قوانين الحرب بما فيها مبادئ التمييز والتناسب والاحتياط أثناء الهجوم.
يفصّل التقرير ستَّ هجماتٍ كبرى تضمنت استخداماً مشتبهاً به لقنابل موجهة من أنواع GBU-31 (2000 رطل) وGBU-32 (1000 رطل) وGBU-39 (250 رطل) بين 9 تشرين الأول/أكتوبر و2 كانون الأول/ديسمبر 2023 ضد مبانٍ سكنية، ومدرسة، ومخيمات للاجئين، وسوق. وتحققت مفوضية حقوق الإنسان من وفاة 218 شخصاً جراء هذه الهجمات الست، وأفادت أن المعلومات التي تلقتها تشير إلى أن عدد الوفيات قد يكون أعلى بكثير.
“يبدو أن قاعدة اختيار أساليب ووسائل الحرب التي تتجنب أو على الأقل تقلل إلى الحد الأدنى من الضرر المدني قد تم انتهاكها باستمرار في حملة القصف الإسرائيلية”، قال المُفَوَّض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك.
يخلص التقرير إلى أن سلسلة الغارات الإسرائيلية، التي تشكل الحوادثُ الستُّ أمثلةً عليها، تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي ربما يكون قد انتهك بشكل متكرر المبادئ الأساسية لقوانين الحرب. كما يشير التقرير إلى أن الاستهداف غيرَ القانوني، عندما يُرتكب كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد السكان المدنيين، وفقاً لسياسة دولة أو منظمة ما، قد ينطوي أيضاً على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
“إن اختيارات إسرائيل لأساليب ووسائل تنفيذ الأعمال العدائية في غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، بما في ذلك الاستخدام المكثف للأسلحة المتفجرة ذات التأثير واسع النطاق في المناطق المكتظة بالسكان، فشلت في ضمان التمييز الفعّال بين المدنيين والمقاتلين”، قال المفوض السامي.
وأضاف تورك: “إن حياة المدنيين والبنيةَ التحتيةَ محميتان بموجب القانون الدولي الإنساني. يشرح هذا القانون الالتزامات الواضحة لأطراف النزاعات المسلحة كي تجعل حماية المدنيين أولوية.”
في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، ذكر الجيش الإسرائيلي أنه منذ بدء عملياته في غزة، قامت القوات الجوية “بقصف أكثر من 5000 هدف للقضاء على التهديدات في الوقت الحقيقي”. حينها، كانت وزارة الصحة في غزة قد سجلت مقتل 11078 فلسطينياً، بالإضافة الى فقدان 2700 شخصاً وتقارير عن إصابة حوالي 27490 آخرين.
في وقت تنفيذ هذه الهجمات، نقلت تقارير تصريحاتٍ لمتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي مفادها أنه “عند الموازنة بين الدقة ونطاق الضرر، نحن الآن نركز على ما يسبب أقصى ضرر”. كما نُقل عن مسؤول آخر في الجيش
الإسرائيلي قوله إن “حماس وسكان غزة” هم “وحوش بشرية” و”يُعامِلون وفقاً لذلك. إسرائيل فرضت حصارا كاملا على غزة. لا كهرباء ولا ماء، فقط الضرر. أردتم الجحيم، ستحصلون على الجحيم”.
وبينما يركز التقرير على إسرائيل، فإنه يوضح أيضاً أن الجماعات الفلسطينية المسلحة واصلت إطلاق قذائف عشوائية نحو إسرائيل، وذلك خلافاً لما يفرضه عليها القانون الدولي الإنساني. ويؤكد التقرير كذلك على وجوب حماية المدنيين والمرافق المدنية عبر تجنب وضع الأهداف العسكرية داخل أو قرب المناطق ذات الكثافة السكانية العالية.
في واحدة من الهجمات الإسرائيلية الست الكبرى على غزة، يذكر التقرير أن الغارات على حي الشجاعية في مدينة غزة، في 2 كانون الأول/ديسمبر 2023، تسببت في دمار عبر امتداد قطري يقدر بـــ130 متراً، مُدمِّرةً 15 مبنىً ومُلحِقَة أضراراً بما لا يقل عن 14 بناية أخرى. حجم الدمار والحفر الظاهرة عبر الأدلة المرئية التي تم التحقق منها وصور الأقمار الصناعية يشير إلى أنه تم استخدام حوالي تسع قنابل من نوع GBU-31، وفقاً للتقرير. تلقت مفوضية الأمم المتَّحدة السامية لحقوق الإنسان معلوماتٍ تفيد بمقتل 60 شخصاً على الأقل.
تستخدم قنابل GBU-31 و32 و39 في الغالب لاختراق عدة طوابق من الخرسانة ويمكنها تدمير هياكل منشآت مرتفعة بالكامل. بالنظر إلى مدى اكتظاظ المناطق المستهدفة بالسكان، فإن استخدام سلاح متفجر يمتلك هذه الآثار واسعة النطاق من المرجح أن يرقى إلى حد الهجوم العشوائي المحظور، كما يخلص التقرير. ويضيف أنه لا يمكن الحد من تأثيرات مثل هذا النوع من الأسلحة في هذه المناطق كما يتطلب القانون الدولي، مما يؤدي إلى إصابة الأهداف العسكرية والمدنيين والمرافق المدنية بدون تمييز.
يذكر التقرير أيضاً أنه لم يتم إصدار أي تحذير مسبق في خمس من الهجمات، مما يثير مخاوف بشأن انتهاكات مبدأ الاحتياط أثناء الهجوم لحماية المدنيين.
أكد الجيش الإسرائيلي أنه استهدف في ثلاث من الغارات أفراداً على صلة بالهجمات على إسرائيل في 7 و8 تشرين الأول/أكتوبر 2023. إلا أن التقرير يوضح أن مجرد وجود قائد واحد أو حتى عدة مقاتلين أو عدة أهداف عسكرية واضحة في منطقة معينة لا يجعل حياً بأكمله هدفاً عسكرياً، لأن ذلك ينتهك مبدأ التناسب وحظر الهجمات العشوائية.
“بينما يؤكد جيش الدفاع الإسرائيلي أنه بدأ تقييمات واقعية لمعظم الحوادث التي تم بحثها في التقرير، فقد مضت ثمانية أشهر منذ وقوع هذه الحوادث بالغة الخطورة. ولكن ليس هناك وضوح حول ما حدث أو خطوات نحو المساءلة”، قال المفوض السامي.
“أدعو إسرائيل إلى نشر نتائج تفصيلية حول هذه الحوادث. يجب عليها أيضاً ضمان إجراء تحقيقات شاملة ومستقلة في هذه الحوادث وجميع الحوادث المماثلة الأخرى بهدف تحديد المسؤولين عن الانتهاكات، ومحاسبتهم، وضمان حقوق جميع الضحايا في الحقيقة والعدالة والتعويضات”.